منذ سنوات، يعيش المواطن الإيراني تحت وطأة انقطاعات متكررة للكهرباء، الأمر الذي يعطّل الحياة اليومية في المنازل، المستشفيات، وحتى الأفران التي يعتمد عليها الشعب لتأمين الخبز
هذه الأزمةبحسب الكاتب الإيراني منصور رخشاني لم تعد مرتبطة بموسم الصيف أو الشتاء فقط، بل أصبحت سمة دائمة للبنية التحتية الإيرانية.
غير أنّ التناقض يبرز عندما تتراجع هذه الانقطاعات في أوقات محدّدة، كفترات الأزمات الأمنية أو الحروب الإقليمية، وهو ما يثير تساؤلات جدّية حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها.
البُعد المخفي: التعدين الرقمي واستهلاك الكهرباء
تشير تقارير مستقلة وفقا لرخشاني إلى أنّ جزءاً كبيراً من الطاقة الكهربائية في إيران يُستهلك في نشاطات غير مرتبطة بالمجتمع أو الاقتصاد الإنتاجي، بل بتعدين العملات الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين.
هذه العملية، التي تتطلّب قدرة حاسوبية هائلة وكهرباء رخيصة، حوّلت إيران إلى أحد المراكز البارزة عالمياً في هذا المجال. فبحسب شركة Elliptic عام ٢٠٢١، تمّ استخراج ٤,٥٪ من البيتكوين العالمي داخل إيران.
وهذا النشاط لا يستهلك فقط كهرباء هائلة، بل يسحب مباشرة من الشبكة العامة، أي من الكهرباء التي كان يجب أن تصل إلى منازل الناس.
الأخطر من ذلك أنّ جزءاً واسعاً من مزارع التعدين في إيران لا تديره شركات خاصة فحسب، بل تخضع بشكل مباشر أو غير مباشر للحرس الثوري الإيراني.
ولا ينظر هذا الأخير إلى العملات الرقمية كوسيلة ربح اقتصادي فقط، بل كأداة استراتيجية لتجاوز العقوبات الأمريكية والأوروبية. فالبيتكوين وغيره من العملات يُستخدمان لتمويل ميليشيات مرتبطة بإيران في لبنان، العراق، اليمن، وسوريا، دون الحاجة إلى نقل أموال نقدية عبر المطارات أو المصارف التي تخضع للرقابة الدولية.
وبذلك، يتحوّل انقطاع الكهرباء في طهران أو أصفهان إلى وسيلة غير مباشرة لتمويل أنشطة عابرة للحدود تهدّد أمن المنطقة.
البريطانية (٢٠٢١)،
ففي تقرير صادر عن شركة بريطانية تمّ تأكيد أنّ ٤,٥٪ من مجمل البيتكوي المستخرج عالمياً يأتي من إيران، وهو ما يوفّر للنظام مقارب ١ مليار دولار سنوياً رغم العقوبات الدولية.
كما ذكرت وكالة رويترز (يونيو ٢٠٢٥) أنّ منصّة نوبیتكس المرتبطة بإيران تحوّلت إلى قناة مالية تُستخدم لنقل العملات الرقمية إلى جماعات تابعة للحرس في لبنان واليمن والعراق. هذه الوقائع توضّح أنّ الهدف الاستراتيجي يتجاوز الاقتصاد المحلي ليصل إلى تمويل مشاريع التوسّع الإقليمي.
المعادلة واضحة: المواطن الإيراني يُترك في الظلام بينما تُحوّل طاقة بلاده إلى أرباح رقمية تموّل الميليشيات خارج الحدود.
التقارير الأخيرة أكدت أنّ انقطاع الإنترنت في إيران خلال حزيران/يونيو ٢٠٢٥ أدّى إلى تراجع في معدّل “هاش ريت” العالمي للبيتكوين بنسبة ٢٠٪، وهو دليل قاطع على ضخامة النشاط الإيراني في هذا المجال. هذه الحقيقة تكشف أنّ الأزمة ليست داخلية فقط، بل ذات تداعيات إقليمية ودولية مباشرة.
ومن المهم الإشارة إلي إنّ الأزمة الكهربائية في إيران لم تعد مجرّد قضية خدمية أو تقنية، بل تحوّلت إلى ملف استراتيجي معقّد. فالنظام الإيراني ينهب الطاقة الوطنية من أجل تمويل أدوات نفوذه الإقليمي،
بينما يُلقي باللوم على الشعب تحت ذريعة “الاستهلاك المفرط”. هذا النموذج يعكس كيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة في خدمة مشروع سياسي-عسكري توسّعي، على حساب استقرار الداخل وأمن الجوار.
من هنا، يصبح كشف هذه الحقائق ونشرها ضرورة إقليمية، ليس فقط لفهم طبيعة النظام الإيراني، بل أيضاً لتقدير المخاطر المستقبلية التي قد تترتب على استمرار هذا النهج.