تعيش العاصمة الأفغانية كابل على وقع أزمة سكن خانقة غير مسبوقة، بعدما تضاعفت الإيجارات خلال أشهر قليلة نتيجة التدفق الكبير للأفغان المرحّلين قسراً أو العائدين تحت ضغط الظروف من دول الجوار، خصوصاً باكستان وإيران. هذه الأزمة، التي ألقت بظلالها على فئات واسعة من السكان، تهدد بتفجير أزمة إنسانية أعمق في بلد يرزح نصف سكانه تحت خط الفقر.
وفق بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عاد إلى أفغانستان منذ مطلع العام الجاري أكثر من 2.1 مليون شخص، غالبيتهم من باكستان وإيران، وهو ما أضاف ضغوطاً هائلة على سوق الإيجارات المحدود أصلاً. وفي المجمل، تجاوز عدد المرحّلين منذ سبتمبر (أيلول) 2023 حاجز 2.4 مليون شخص.
محمد محسن زرياب، الذي عاد قبل أسابيع من إيران، يختصر المعاناة بقوله إنه يطوف على ملاك العقارات متوسلاً تخفيض الإيجار لعائلته المكونة من 8 أفراد، لكنه يواجه برد واحد: “إذا لم تستطع الدفع، فهناك من يستطيع”. يقول زرياب إنه كان يتوقع تضامناً أكبر مع العائدين الذين “جاءوا من أماكن بعيدة دون مأوى”.
قبل عام واحد، كان متوسط إيجار منزل بثلاث غرف في كابل لا يتجاوز 10 آلاف أفغاني (نحو 145 دولاراً)، أما الآن فقد قفز إلى 20 ألفاً، وهو مبلغ ضخم في بلد يعيش 85% من سكانه بأقل من دولار واحد يومياً. وكلما زاد الطلب مع تدفق العائدين، عمد بعض الملاك إلى استغلال الموقف لمضاعفة الأسعار، بحسب سماسرة العقارات الذين طالبوا الحكومة بالتدخل.
بلدية كابل من جانبها تنفي وجود “أزمة سكن”، لكنها تعترف بأن 75% من المدينة تطورت بشكل غير منظم، وأن مشاريع البنية التحتية الكبرى، بما فيها إنشاء طرق جديدة تتطلب إزالة منازل، تضغط أكثر على المعروض من الوحدات السكنية.
الأزمة لم تقتصر على الوافدين الجدد، إذ طالت أيضاً سكان كابل القدامى. تمانا حسيني، معلمة حياكة، تقول إن المالك أبلغها برفع إيجار شقتها من 3 آلاف أفغاني إلى أضعاف ذلك، ما جعلها أمام خيارين أحلاهما مر: البقاء تحت ضغط مالي أو الرحيل إلى سوق إيجارات ملتهب.
بالنسبة للنساء والفتيات، تتضاعف المعاناة تحت حكم “طالبان”، التي تفرض قيوداً واسعة على التعليم والعمل. زهرة هاشمي، العائدة من إيران، تقول إن ابنتها الكبرى فقدت حقها في الدراسة، فيما تكافح الأسرة لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتها اليومية في مسكن يفتقر إلى الكهرباء والمياه الجارية.
الأمم المتحدة حذرت من مخاطر متصاعدة تواجه النساء والفتيات العائدات، بينها الفقر المدقع والزواج المبكر وانعدام فرص التعليم والرعاية الصحية. وفي تقرير مشترك مع منظمة “كير” الدولية وشركاء محليين، طالبت بتوفير دعم عاجل للفئات الأكثر ضعفاً، مشيرة إلى أن نصف العائدين من باكستان وثلث العائدين من إيران هن نساء وفتيات، وكثير منهن يصلن إلى بلد لم يعرفنه من قبل، بلا مأوى أو دخل أو حماية.
مع استمرار تدفق المرحّلين وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، تبدو أزمة السكن في كابل مرشحة لمزيد من التصعيد، في ظل غياب حلول عملية، وقيود سياسية واجتماعية تعيق جهود الإغاثة والتنمية.