أسامة حافظ يكتب: المقامات الموسيقية وجناية أزمة المصطلح

كنت أتحدث مع شيخنا الدكتور عمر عبد الرحمن -رحمه الله- عن أحد إخواننا وكان أبواه مدرسين للموسيقى فقال لقد درس لي والد هذا الأخ المقامات الموسيقية في المعهد الأزهري وكانت أصول الموسيقى تُدرّس وقتئذ في المعاهد الأزهرية.
صدمتني الكلمات اذ كان انطباعي عن الموسيقى وكل ما يتعلق بها شديد السوء وما تصورت يوما أن ثمة علاقة بين تلاوة القرآن والمقامات الشيطانية الموسيقية.
ومع تنوع قراءتي رأيت كيف جنى تسمية علم المقامات الصوتية بالمقامات الموسيقية على الفتوى في هذا الموضوع وتسبب في مضاعفة الحرج على المقرئين
والقصة من أولها أن علم المقامات هو علم يبحث في ترتيب الأصوات المختلفة ومسافاتها بطريقة مؤتلفة مناسبة تنتج ألحانا مؤثرة ولأن العلم ارتبط اختلاقا وتعلما واستعمالا أكثر ما ارتبط بالموسيقى فسموه المقامات الموسيقية وان كان صالحا أيضا في الأصوات البشرية في الأناشيد والتواشيح والآذان وتلاوة القرآن وغيرها.
وهو كما يظهر علم محايد يُستعمل في الخير والشر وليس ثمة مجال لذمه الا ان يرتبط باستعمال محرم ولكن ارتباط تسميته بشيطان اللهو والفجور -الموسيقى- افزع كثيرا من فقهائنا حتى قال قائلهم ان استعمال هذه المُقامات إذا كان عفو الخاطر دون تعمُد فلا حرج فيه، أما ان تعمد ان يوافق هذه المقامات او يسير عليها فهذا مُحرّم -هكذا محرّم- وكان جناية الأمر في تعلمه
ولا يخفي أن نصوص السنة تعارض هذا الكلام فالحديث عن التغني بالقرآن في حديث مسلم وتزيين تلاوة القرآن بأصواتنا في حديث ابي داوود والنسائي وتحبير تلاوة القرآن في حديث ابي موسى الاشعري والتحبير من الثوب الجيد الذي فيه خطوط مختلفة الألوان – والحديث المتفق عليه (مزمارا من مزامير آل داوود) كلها تشير الى مشروعية تجميل الأداء وتجميل الأداء لا يكون بدون المقامات ونظامها من الأداء وضابط المشروعية لذلك ان يلتزم بأحكام تلاوة القرآن ولا يخرج عن نظمه.
هذه هي المسألة ببساطة ولا أثر لمسمى الموسيقى المرتبط بالاسم على موضوع الفتوى ولا في أن هذا الموضوع موضوع نزاع قديم ولكنّ التحريم أمر يحتاج إلى نصوص أكثر صراحة وأكثر مباشرة في هذا فأباحها قومٌ وحظرها أخرون واختار الشافعي التفصيل أنها ان كانت بألحان لا تغيّر الحروف عن نظمها جاز وان غيرت الحروف الى الزيادة فيها لم تجز
وقال الدارامي (القراءة بالألحان مستحبة مالم يزد حرفا او حركة او يسقط فان ذلك محرّم)
ويقول ابن العربي المالكي في الاحكام (واستحسن كثير من فقهاء الأمصار القراءة بالألحان والترجيع وكرّه مالك وهو جائز لقول ابي موسى (لحبَّرته لك تحبيرا) يريد لجعلته لك أنواعا حسنا وهو التلحين مأخوذ من الثوب المُحبَّر وهو المخطط بالألوان)
وقال ابن حجر في الفتح
(ولا شك ان النفوس تميل الى سماع القرآن بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم لان للتطريب تأثيرا في رقة القلب واجراء الدمع وكان بين السلف اختلاف في جواز القراءة بالألحان)
ويقول السيوطي
قراءة القرآن بالألحان والأصوات الحسنة والترجيع إن لم تخرجه عن هيئته المعتبرة فهو سنة حسنة وإن أخرجته فحرام فاحش.
وبعد.. فمن تتبع النصوص وأقوال علماء السلف سيجد ان الجواز هو الأقرب مادام القارئ ملتزما بحروفه
ومن استمتع بالقرآن ووجل قلبه وزرفت عيناه وهو يستمع له من الشيوخ العظام رفعت والمنشاوي ومصطفي اسماعيل والبنا يشعر أكثر ببركة هذه الفتوى وأثرها في الشعور به والاحساس بجمال الأداء ويشعر بالحرج الذي يقع فيه قارئ القرآن ومستمعوه وهم يستمعون إليه بهذه المقامات.