مقالات

أسامة حافظ يكتب: قواعد هامة في فقه التكفير

1- لم يكن من هدي سلفنا الصالح تتبع ما يوقع الناس في الكفر ليسارعوا بتكفيره إذ كانوا يدركون أن الالتزام الصادق بالدين يستلزم عدم إطلاق اللسان في الحكم علي الناس بالكفر بل إنهم كانوا يتقللون من ذلك ويلتمسون المعاذير لهم وكانوا يرون أن الاكثار من إطلاق أحكام الكفر علي الناس هو سمت أهل البدع والأهواء وأن هذه الخصلة لم تنتشر في صفوف المسلمين إلا بعد ظهور الخوارج فالمهمة الحقيقية للمسلم هي الأخذ بيد الناس للدين لا إخراجهم منه.. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية «إني ومن جالسني يعلم أنني من أشد الناس نهيا عن أن ينسب إلي معين تكفير أو تفسيق أو تبديع حتي تقوم الحجة الرسالية التي يكون تاركها كافرا تارة وفاسقا تارة ومبتدعا تارة» مجموع الفتاوي

وستجد هذا المعني موجودا في أكثر كتب العقائد التي تتعرض للموضوع

2- لئن تخطئ فتحكم بالإسلام على من يشك في إسلامه خير من أن تخطئ بتكفير مسلم لأنك في الحال الثاني ستقع تحت طائلة الأحاديث الناهية عن ذلك مثل حديثى البخاري ومسلم «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» وحديث «ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله» ورحم الله حجة الاسلام الغزالي إذ قال «القضية أن تكف لسانك عن أهل القبلة ماداموا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله فإن التكفير فيه خطر أما السكوت فلا خطر فيه» ويقول أيضا «والذي ينبغي الاحتراز منه التكفير ما وجد إلي ذلك سبيلا.. فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ.. والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم»

 3- الإسلام يثبت شرعا بالنطق بالشهادتين دون حاجة إلى براهين أخري أو شروط زائدة ويقين ثبوت الإسلام لا ينقض إلا بيقين كيقين الثبوت وكل شك فيه يمنع من إطلاق الحكم عليه.

4- الناس جميعا سواسية أمام القانون الرباني لا فرق في ذلك بين الحاكم والمحكوم وأحكام الكفر والإيمان يستويان فيها مثل غيرها من الأحكام كلاهما فلا نتشدد علي الحكام ونجعل المعصية في حقه كفرا لأنه حاكم ولا نتساهل في حقه كذلك وكل نصوص من كتب في العقيدة من علماء السلف لم تميز بينهما في شيء ولم يفرد للحكام أبوابا تخصهم أو أحكاما تمييزهم فمثلا يقول صاحب الطحاوية «ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ماداموا بما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم معترفين وله بكل ما قال وأخبر به مصدقين» هذا في إسلامهم ويقول «ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله».. وهكذا لم تميز نصوصهم بين حاكم أو محكوم في مسائل الكفر أو الإيمان.

5- ليس كل ما سمته النصوص الشرعية من كتاب أو سنة كفرا يعد كفرا مخرجا من الملة بل هناك من المعاصي ما ذكرت النصوص في وصفه كفرا ولكنه كفر أصغر لا يخرج من الملة يقول صاحب المعارج «فليس كل فسق يكون كفرا ولا كل ما سمي كفرا أو ظلما يكون مخرجا من الملة حتى ينظر في لوازمه وملزوماته وذلك لأن كلا من الكفر والظلم والفسق والنفاق جاءت في النصوص على قسمين أكبر يخرج من الملة لمنافاته لأصل الدين بالكلية وأصغر ينقص الإيمان وينافي كماله ولا يخرج صاحبه منه فكفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق».

فالكفر الأكبر يقصد به الأعمال والأقوال التي تخرج صاحبها من دائرة الإسلام وتنقض أصل الإيمان فيكون صاحبها مرتدا مستحقا للخلود في النار ويسميه العلماء الكفر الاعتقادي ويتمثل في خمسة أنواع كفر التكذيب وكفر الإباء وكفر الاستكبار وكفر الاعراض وكفر الشك وكفر النفاق أما الكفر الأصغر فهي تلك المعاصي التي سماها القرآن أو السنة كفرا علي سبيل التقبيح والتغليظ علي مرتكبها ولكن لا تخرجه من الملة ويسمونها الكفر العملي وهو يأتي في النصوص بمعان متعددة مثل كفر النعمة «ذلك من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر» وكفر جحود الإحسان «تكثرن اللعن وتكفرن العشير…» وقد يأتي تقبيحا للذنب العظيم «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» «ثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة علي الميت».

ومن الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة الحكم بغير ما أنزل الله يقول ابن عباس في تفسير الآية «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويقول أيضا «كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض فكذلك الكفر» ويقول عطاء «كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق».

6- لا يحكم بالكفر على أحد إلا بعد إقامة الحجة الرسالية عليه يقول ابن تيمية «فليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين حتى تقام عليه الحجة ويبين له المحجة.. ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه ذلك بالشك» ويقول «وينبغي أن يقيمها من يحسن القيام بذلك من سلطان مطاع أو عالم متبوع ولا يترك أمر القيام بها لمن لا يحسن ذلك حتى لا يزيد أهل الباطل تمسكا بباطلهم».

وتفسير ذلك أن تنزيل حكم الكفر على من أتي عملا كفريا يستلزم التحقق من توافر السبب المكفر -الفعل الكفري المتيقن منه- وتحقق توافر شروط الحكم مثل القصد والعلم والاختيار ثم تحقق انتفاء الموانع من تنزيله مثل الجنون والعته والبله والاكراه وغيرها والتحقق من هذه الشروط من خلال الحوار مع الشخص وتحقيق الأدلة يستلزم هنا علما وجهدا وسلطانا وهو ما يشير إليه شيخ الإسلام.. ومالم تتحقق تلك الاسباب والشروط وتنتفي تلك الموانع فلا يجوز إطلاق حكم الكفر على فاعله وهو ما تقوم به الحجة المشار إليها من أهلها.

7- إطلاق حكم الكفر على الأشخاص ليس من مسائل العقيدة وإنما هو من فروع الفقه وتفسير ذلك أن الحكم الشرعي هو الشق العقائدي كأن نقول مثلا أن من سجد لصنم فهو كافر هذا هو الشق العقدي أما تنزيل ذلك على الأشخاص فإنه التحقق من توافر الأسباب والشروط وانتفاء الموانع وهو ما يسميه الأصوليون تحقيق المناط وهو عمل بشري ظني وليس مسألة عقدية يختلف فيها الناس بقدر اجتهادهم ولا يوصم فاعلها أو تاركها في دينه أو عقيدته.

هذه قواعد ضابطة هامة في فقه التكفير متناثرة في كتب علماء العقيدة نحتاجها عند دراسة هذا الموضوع أو التكلم فيه قد لخصتها قدر المستطاع.

أسامة حافظ

رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية - مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى