الأحد يونيو 2, 2024
مقالات

أسامة حافظ يكتب: وقفات على أعتاب الشيخ الغزالي (1)

كان الشيخ طلعت فؤاد ذا حافظة قوية وكان اذا خطب انطلق يروي من أقوال السابقين شيئا كثيرا، وفي احدي المرات خطب في مسجد الكلية وهو طالب بها في تفسير بعض الآيات وانطلق يقول قال فلان وقال فلان حتي انتهت الخطبة فأقبل إليه بعد الصلاة رجل وقور وقال له لقد كانت خطبتك جيدة ولكن أين أنت فيها فسأله مستغربا «أنا أقول أقوال علماء السلف» قال إن القرآن نزل إليك كما نزل الي السلف فينبغي بعد أن تقرأ آليات الفهم من كتبهم فقها ولغة وأصولا وحديثا أن يكون لك بصمة في فهمة وإلا فلا حاجة لقولك ويكفينا أن نقرأ من حيث قرأت، «هذا هو الفارق بين البشر وبين الببغاء» لنكتشف بعد ذلك أن المتكلم أستاذ في التفسير في أحدي الجامعات الشهيرة.

وكان شيخنا الدكتور عمر -رحمه الله- يجري بيننا مسابقات في تفسير القرآن فيطلب منا أن نقرأ تفسير السورة الفلانية من كتب التفسير المتوفرة ثم يسألنا فلما قلنا له إن ما سأل ليس في الكتب التي قرأنا قال ان الكتاب يعلمك آليات التفكير وأصوله ثم يأتي بغد ذلك دورك في إخراج ما هضمت من قراءاتك بطريقتك.

هناك كثير ممن تصدوا للكتابة والتصنيف مجرد نساخ لما قاله السابقون يجمعون مصنفاتهم من كتب السابقين مجرد جمع وترتيب ويضعونها في كتب تحت نفس العناوين وربما بنفس الترتيب ويملأون الاسواق بها ويشير إليهم الناس باعتبارهم علماء ومفكرين بما يرددون من كلامهم.. ولكنني عندما أقف على شاطئ بحر الشيخ الغزالي الزاخر أجد نفسي أمام شيء آخر.. أجد عالما واسع الاطلاع في كتابات السلف والخلف من العلماء والمفكرين في علوم الشريعة وغير الشريعة قد هضم كل ذلك ثم أخرجه لنا ممزوجا بما أضفاه عليه من فهم وجدة وغوص في المعاني والأفكار.

كنت أشبهه بالنحلة تطوف ما تطوف على مئات الازهار تنتقي منها أعذب ما فيها من رحيق وتهضمه في بطنها وتخرج لنا عسلا رائعا حلو المذاق ليس هو ذلك الرحيق ولافيه تلك الأزهار ولكنه يحمل من عبقها.. هو نتاج النحلة من رحيق الازهار.

فتجده ان كتب في موضوع سبق فيه مثل كتابه عقيدة المسلم أو خلق المسلم تظهر شخصيته في كتاباته لا يكتفي بترديد كلام من سبقوه، ولكن عبقريته تظهر في اقتحام الجديد من الموضوعات وكيفية انعكاس اطلاعه الواسع وفهمه الدقيق على ما يكتب.

نعم لقد كتب في المشكلة الاقتصادية وكتب في الاستبداد السياسي وكتب في التنمية البشرية- قبل أن يشيع هذا الموضوع- وكتب في المشكلة الطائفية وناضل بشراسة في الذب عن الدين والرد على المستشرقين وغيرها وكانت كتاباته يظهر فيها بوضوح سعة اطلاع وإدراك بل وتشرب لروح الشريعة ومقاصدها وإدراك عظيم للواقع واجتياحاته كل هذا ممزوجا بشخصية الشيخ الخلاقة المبدعة.

لقد كان -رحمه الله- على كثرة ما صنف عظيم التأمل في الكتاب والسنة وكان كلما زاد تأمله وجهده ومعايشته لهما زادت فيوضهما عليه.

Please follow and like us:
أسامة حافظ
رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية - مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب