الأثنين مايو 20, 2024
مقالات

أسامة حافظ يكتب: وقفات على أعتاب الشيخ الغزالي (3)

سأل أحدهم ابن عمر عن نجاسة دم البرغوث فقال ابن عمر «عجبا لكم يا أهل العراق تقتلون ابن بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم وتسألون عن دم البرغوث».

يقول ابن حجر تعليقا عليه «أورده ابن عمر هذا متعجبا من حرص أهل العراق علي السؤال عن الشيء اليسير وتفريطهم في الشيء الجليل».

لم يكن ابن عمر مفرطا في حكم شرعي هنا أو مستهينا به وانما هو يتعجب من تلك العقول التي تتغافل عن جلائل الأمور وتغرق نفسها في فروع الفروع وهو درس هام لمن يتلبس بالعلم وهو يعيش في برج عاجي يبحث في فروع الفروع التي لا ينتقص من دين الفرد أن يجهلها أو يقصر فيها أو يغرق الناس في الفروع المختلف عليها منذ نشأ الفقه متغافلا عن أصول الدين التي فرط الناس فيها أو أدواء المجتمع التي أغرقت المسلمين في الكبائر والبدع والإلحاد.

هكذا وضع الشيخ يده في كتاباته على أدواء الأمة وصار بينهم كما النذير العريان يهبط الجبل وهو يهتف محذرا الأمة من مواطن هلاكها بينما انشغل بعض علماء الابراج العاجية في قضية النزول على الركبتين في الصلاة أم علي اليدين أو في قضية النقاب وتقصير الثياب وافتعلوا في ذلك المعارك وفسقوا وضللوا من خالفهم تماما كما كان أهل بيزنطة يتجادلون عن الملائكة هل هن من الذكور أم من الاناث وهل البيضة خلقت أولا أم الدجاجة بينما كانت جيوش المسلمين علي الأبواب تتهيأ لفتجها.

كانت كتابات الشيخ تعيش واقع الأمة وتدرك بوضوح ما تقابله من تحديات وتتصدي بقوة وعلم لتلك التحديات، فخاض معارك ضد الاستبداد أكثر وابشع ماتعاني منه بلاد المسلمين وسر تخلفهم عن العالمين وخاض معارك ضد الاستعمار بشقيه العسكري والثقافي وتصدي بقوة لحملات التبشير الصليبي التي تجتاح ديار الاسلام وكتب في التصدي للانهيار الاقتصادي والتخلف الحضاري وكتب مهاجما علماء السلطان والابراج العاجية فقهاء الحيض والنفاس الذين يشيحون بوجوههم عن حاجة المجتمع وقضاياه الي النفاق الرخيص أو الي الفروع الفقهية أو المسائل الخلافية في فروع الفقه إيثارا للسلامة من الحكام أو من عامة الناس وكتب كثيرا عن علاج الانهيار الأخلاقي والانحراف العقائدي اللذان شاعا في أوساط الناس.. وغيرها، باختصار لن تجد قضية هامة من قضايا المجتمع تحتاج لرأي العالم وموقفه الا وتجده في مواجهتها لا يبالي ودفع في سبيل ذلك كثيرا من المعاناة ولكنها لم تثنه عن موقفه ولم تجعله يتردد في أن يقول كلمته.

رحم الله الشيخ.. العالم الذي عاش دوره كعالم يقود الركب ويقصده الناس إذا ما ألم بهم ما يحتاجونه فيه فيجدونه حيث قصدوه.

Please follow and like us:
أسامة حافظ
رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية - مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب