أسامة حافظ يكتب: وقفات على أعتاب الشيخ الغزالي (5)
أخبرني أحد اساتذتنا أن فلانا- وهو صديق حبيب- ألف كتابا من أربعمائة صفحة في لباس النبي صلي الله عليه وسلم قال هذا وهو يظن أنني سأبش لهذا العمل فقلت له «هذا ترف فكري يتنزه عنه العلماء في هذا الوقت إن العلم لا يليق به أن يكون بعيدا عن حاجات المجتمع، وإن العالم الذي ينفصل بعلمة عن قضايا مجتمعه يكون مقصرا في حق علمه الذي أكرمه الله به وفي حق نفسه بالتالي»
لقد دأب العلماء على أن يفسروا النصوص التي تذكر أولي الأمر بأنهم العلماء والحكام فكما أنه لا يليق بالحاكم أن يستغرق في تشييد القصور وزخرفة المساجد وتزيين الطرقات والمباني متجاهلا حاجات الناس من الطعام واللباس والمسكن كذلك لا يليق بالعالم أن يستغرق في التصنيف الذي لا عمل من ورائه بينما يحتاج المجتمع أن يقود عالمهم الركب في قضاء حاجاته والدفاع عن مقدراته.
وقد كان الشيخ الغزالي إماما في هذا الباب أيضا، لقد بدأ شبابه بالدخول في جماعة الاخوان المسلمين منغمسا من خلال الجماعة في قضايا مجتمعه الاجتماعية والسياسية والدعوية وترقي في حركته داخل الجماعة حتى كان أحد المرشحين لوظيفة المرشد بعد اغتيال الشيخ البنا رحمه الله..
ثم لما فصل من الجماعة استمر علي عادته بالتصدي لقضايا مجتمعه فخاض معاركه الشرسة ضد الانحلال وضد التبشير الكنسي وضد الغزو الفكري وضد محاولات الكنيسة الهيمنة علي مقدرات البلاد وضد محاولات اليسار المصري تدمير هوية المجتمع وضد الشيوعية وضد الاستبداد بل وقاد بنفسه المظاهرات ضد محاولات القضاء علي بقايا القوانين الاسلامية في التشريع المصري وهو قانون الأحوال الشخصية وناظر دعاة الليبرالية في كتاباته وكانت خطبه تتابع أحوال الناس وتقوم ما تراه من اعوجاج وتدعو لتطوير الايجابيات وشاهدناه في معرض الكتاب يناظر أصحاب الدعوات التي تسعي لهدم هوية المجتمع وشاهدناه في قاعة المحكمة يقول كلمة الحق في القضايا وجاب أنحاء البلاد يدعو الي الله ويوجه الناس نحو الدين الصحيح ولاقي في سبيل ذلك المشقة والعنت والبلاء.
لقد كان -رحمه الله- مثالا للعالم العامل -والله حسيبه- الذي غاص في قضايا مجتمعه وتصدي لتحقيق آماله ولم يعش منعزلا بفكره ونفسه عن حاجات الناس مؤثرا الراحة والسلامة على الجهد والعناء.