أسامة حافظ يكتب: وقفات على أعتاب الشيخ الغزالي (6)
رسم الأزهر علي مدي سنين طويلة من جهاده في قيادة المجتمع ومن جهوده في حفظ علوم الشريعة ونشرها ما يمكن أن نسميه «الشخصية الأزهرية».. وهي مجموعة من الصفات اتسمت بها الشخصية الأزهرية وصارت جزءا من تكوينها ترسخت فيه بقدر ما تجذرت فيه روح الأزهر وأثرت فيه علومه وتربية شيوخه.
ونستطيع أن نجمل صفات تلك الشخصية في صفات أربع.. أولاها هي اعتزازه بالانتماء للأزهر وثانيها هي الاعتدال والتوسط ورفض الغلو والشطط وثالثها هي التنوع العلمي والثقافي ورابعها هي قبول الآخر وتفهم حجته.
وتستطيع أن تري في شيخنا الغزالي هذه الصفات متأصلة فيه فهو شديد الاعتزاز بالأزهر وما حصله من علومه ومناهجه.. وهو حريص علي لباسه الأزهري لا ينزعه خاصة في المحافل والاجتماعات ولا تكاد تعثر علي صحفي استطاع أن يتسلل اليه ويصوره صورة بغير زي الأزهر ولم تجذبه عالمية دعوته وتدريسه في جامعات الجزائر والسعودية وغيرها ان يتخلى عن سمته الأزهري الي سمت من ذهب اليهم وإنما هو يصحب أزهريته ومناهجها وعلومها حيث حل وهو لشدة حبه واعتزازه به يكثر من المطالبة بتطويره ويدعو أبناءه الي التخلي عن الجمود والتعصب ليحتفظ برونقه وبهائه.
أما الاعتدال والتوسط ورفض الغلو فهو فارسه بلا منازع ولازالت كتبه بعيدة عن الشطط والتنطع اللذين نالا من هجومه وتقويمه الشيء الكثير وامتلأت كتبه بإبراز دعوته هذه والتي كثيرا ما أثارت حفيظة بعض الشباب الذي ينزع الي التشدد في غير موضع التشدد وتدفعه الحماسة نحو شيء من الشطط.
وقد أبانت كتبه عن عظيم ثقافته وتنوعها ولا تكاد تجد بابا من أبواب الفكر التي يحتاجها المسلمون إلا وللشيخ باع فيه يدل على سعة اطلاع وغوص في الأعماق يستخرج درره.. فكتب في الاقتصاد وتصدي للشيوعية وللاستعمار الثقافي وللعقائد الباطلة وكتب في التنمية البشرية والسيرة والدعوة وغيرها وكل ما تقرؤه له تجد فيه سعة الثقافة وقوة الحجة بأسلوب علمي وأدبي راق.
وقبول الآخر وتفهم حجته وإن خالفه الرأي هو سمت أزهري أصيل نتج عن تنوع مدارس الفقه والأصول والعقائد التي يدرسها الأزهر وقد ساعده ذلك على العيش في بيئات متنوعة الثقافة وقبول دعوته من شتي المدارس الفكرية وكثيرا ما أنكر على أصحاب مدرسة الرأي الواحد وعاني من هجومهم عليه كلما خالفهم الرأي في بعض ما كتب.
والخلاصة أن الأزهر مدرسة عريقة في مناهجه وعلومه وفي ريادته وقيادته للأمة وفي جهده الرائد في حفظ علوم الشريعة ونشرها في المجتمعات المسلمة ومن أحسن الإفادة منه من أبنائه يحوز من خيراته الكثير وما أكثر ما حفظ التاريخ من رجال تشربوا منهجه ودعوته فكانوا روادا في علمهم ودعوتهم وكان الشيخ من هؤلاء.