بحوث ودراسات

أسامة شحادة يكتب: محمد شمس والجناية على العلم والعلماء

محمد شمس والجناية على العلم والعلماء في تسويده عقيدة النووي

بعد مطالعة حواره مع الشيخ حسن الحسيني، ومتابعة عدد من التعقيبات والتعليقات على الحوار قررت مطالعة كتابه عن عقيدة النووي، وهذه هي الملاحظات التي خرجت بها:

1- لمحمد شمس مقطع قديم ينتقد فيه الطعن في النووي وابن حجر! ويقول رفاقه القدامى إنه سجل المقطع ردا على «عبد الرحمن التريس» الذي كان أحد ضحايا شمس، حيث أخذ بمقولات شمس وسار بها إلى آخر الشوط قبل سنتين، والآن لحقه شمس نفسه!!

فهل كان شمس يسجل ذلك المقطع تقية؟ أم أنه اهتدى للضلال الذي كان يحذّر منه؟!

2- سوّد شمس أوراقه دون أن يطالع ويقرأ في ترجمة النووي، ولذلك لم يعرف كتابه في شرح البخاري كما في حواره مع الحسيني، ولا عرف قصة إخراجه لكتب علم الكلام، ولم يثبت له رسالة الحرف والصوت.

وهذا في أقل أحواله تقصير في البحث العلمي الموضوعي.

3- لم يطالع شمس الدراسات السابقة في الموضوع، وهذا من أبجديات البحث العلمي، فكتاب الشيخ مشهور حسن «الردود والتعقبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم من التأويل في الصفات وغيرها من المسائل المهمات» نشر قبل 30 سنة، وشمس حينها صبي صغير أو لم يكن قد وُلد بعد!

وكذلك للشيخ مشهور محاضرة مفرغة عن عقيدة النووي بعنوان «الدلائل الوفية في تحقيق عقيدة الإمام النووي: أسلفية أم خلفية» طبعت سنة 2008م!

وهناك رسالة قدّمت في جامعة أم درمان بعنوان «منهج الإمام النووي في تقرير مسائل الاعتقاد من خلال شرحه لصحيح مسلم بن الحجاج (للعلامة أبي زكريا محيي الدين بن يحيي بن شرف النووي 631-676هـ)‎: دراسة وصفية تحليلية» لأحمد، إدريس صالح محمود، سنة 2012، وهناك دراسات أخرى.

وهذا خلل كبير  نتج عنه تخبط شمس ومخالفة الصواب والحق في نسبة أقوال خاطئة للنووي، والوصول إلى نتائج باطلة في النهاية.

4- شمس الدين، برغم أنه في سيرته الذاتية يقول إنه تتلمذ على عبد العزيز آل الشيخ وصالح بن فوزان الفوزان وصالح العصيمي وسعد بن ناصر الشثري، إلا أننا لا نجد أحدًا من هؤلاء وغيرهم من شيوخه يقول بتبديع النووي وأشعريته الصرفة، بل وسموا من يفعل ذلك بسوء المعتقد أو الجهل!!

وكذلك لم يكلف شمس نفسه بالتعرف على كلام ابن باز وابن عثيمين وغيرهما من علماء العصر في النووي على وجه الحصر والتحديد، حيث بينوا إمامته وفضله وسبقه مع إقرارهم بوقوع أخطاء منه وتأويلات في باب الأسماء والصفات!

وبدلا من ذلك؛ عمد شمس، بجهل في أحسن أحواله، أو تلبيس متعمد في سوْق عبارات عامة لابن باز وابن عثيمين في الإنكار على أهل التأويل غرضها الزجر والتنفير عن التأويل ونهج الأشاعرة لتنزيلها على النووي، بكل ما فيها من ذم وتحقير!

وفي هذا تقوّل بشع على العلماء، حيث لهم عشرات العبارات فيها التصريح بالثناء المفصل على النووي، والإنكار على السفهاء الذين يطعنون فيه، وفي مقطع أبي عمر الباحث الثاني في تعقيبه على الحوار بين الحسيني وشمس نموذج لتلاعب شمس في كلام الشيخ ابن عثيمين وعدم اعتماده على التفصيل الأخير المصرح بإمامة النووي مع وقوع الخطأ منه، مما يكشف جهل شمس وتلاعبه وتقوّله على العلماء.

ويمكن لأي شخص بسهولة البحث عن كلام العلماء بأعيانهم في النووي عبر موقع جوجل، فلماذا تجاهل شمس ذلك؟ لا جواب لذلك إلا أنه يقر لهؤلاء العلماء بالمرجعية ولا يرى أنهم على الحق والصواب، ومما يدل على ذلك قوله في مقدمة سواده عن النووي: «أصل الحجة عندنا في فهم الوحي كلام الأولين، لكن قد أنقل عن المتأخرين المعاصرين أحيانا لما لكلامهم من وقع عند عدد من المسلمين»!

أي ليس لكلام العلماء المعاصرين وقع عنده!! وهذا يكشف مدخل الضلالة على شمس حين استغنى عن العلماء بهواه على طريق الخوارج الأولين بدعوى عدم الحاجة لفهم العلماء في زمانهم، فشمس -في الحقيقة- يقول إنّ علماء العصر لا يفهمون كلام الأولين في الأشاعرة والجهمية، وأنهم كفار كلهم، لكنه هو فتح له باب الحق!

وهذا قد صرّح به في بداية حواره مع الحسيني حيث قال: «أنا كنت كذلك -يعنى يقدّر النووي ويعده إمامًا- ثم تبين لي الحق»، والسؤال كيف ظهر لك الحق؟ هل سمعت من أحد من العلماء هذا الحق؟ أو قرأت لأحد من العلماء، وإذا كان كذلك، فمَن هم؟  طبعا لا جواب!! 

وقد عجز شمس في الحوار طوال 4 ساعات من الاستشهاد بشيخ أو عالم أسقط النووي وحكم عليه بالبدعة والضلال، وفي هذا مؤشر واضح لأن هذا الموقف مخالف لنهج العلماء قديما وحديثا ممن كان يدرك أخطاء النووي في العقيدة بالتأويل.

ومما يَستغرب منه العاقل أن هذه الفتنة -وهي هدم العلماء وخاصة ابن حجر والنووي- فتنة مرّت بالمسلمين والسلفيين قبل ربع قرن على يد الحدادية! وقد تصدى لهم العلماء يوم ذاك، فلماذا يعيد شمس ومن خلفه إثارتها اليوم؟ ولصالح من؟ وهل هم مغفلون سذج يتلاعب بهم زنادقة ودهاقنة عظام؟؟

5- ارتكب شمس العديد من الأخطاء منها الزعم بأنه يتبع كلام الأولين/ السلف في ذم أهل البدع، وذلك من خلال الاستناد إلى العبارات السلفية العامة المطلقة في ذمّ البدع والمبتدعة دون تعيين شخص أو عالم، فيأخذونها وينزلونها على من أرادوا كالنووي هنا.

وقد بيّن أبو عبيدة النقادي في تعليقه الطويل على الحوار خلل هذا التنزيل الأعوج لكلام السلف العام على الناس كلهم من خلال بيانه الكثير من الأمثلة من عدم تنزيل علماء السلف أنفسهم كلامهم على عدد كبير من العلماء ممن تلبس ببدعة بسبب أن التبديع والتكفير المطلق يلزمه توفر شروط وانتفاء موانع منها: الجهل ومنها التأول، وضرب مثلا بقتادة بن دعامة السدوسي الذي كان ينكر أن المعاصي من القدر! وأبي إسماعيل الهروي وما وقع له من خلل في التوحيد! وغيرهم، ومع ذلك لم يبدّعهم العلماء ولم يكفروهم، بل أنكروا باطلهم وحفظوا لهم مكانتهم وإمامتهم.

وقد بيّن الشيخ سلطان العميري في ورقته «تحرير مذهب الإمام أحمد من تكفير أعيان الجهمية» انحراف طريقة شمس ومَن خلفه في تكفير كل أعيان الجهمية بناء على الأقوال المطلقة للإمام أحمد، حيث -بتتبع بقية أقوال وتصرفات الإمام أحمد نفسه- نجده قد عذر كثيرا من أعيان الجهمية وسامحهم، وصلّى خلفهم، وعلى رأس ذلك الخليفة والولاة الذين كانوا يلزمون الناس ويرهبونهم على القول بخلق القرآن. 

وهذه هي عقدة الضلال عند شمس ومن خلفه أنه يتجاوز نهج العلماء السابقين والمعاصرين في فهم عبارات السلف المطلقة ولا يعمل بمقتضياتها من الشروط والموانع، وهذا عين ما تقع فيه داعش وأخواتها في تكفير مخالفيهم.

ومن تلبيس شمس أنه كان يعترض على الحسيني حين يقول له: لماذا تستشهد بكلام ابن عثيمين وابن باز العام في ذم المبتدعة وتسقطه على النووي، وترفض كلام ابن عثيمين وابن باز في الثناء على النووي بعينه مع ذكرهم لأخطائه؟؟ فكان يُشهر في وجهه مقولة باطلة: هل تقول بعصمة العلماء!!

وكأن شمس يحق له هو فقط أن يحدد الصواب في كلام العلماء ويعرف صوابهم من خطئهم دون أن يعتقد عصمتهم!!!

فشمس ومن خلفه هم على الحق فقط اعتمادا على الكلام المجمل، أما من يختار أن يتبع مفصل كلام العلماء يصبح يعتقد بعصمة العلماء ولا يلتزم بفهم السلف!!

وفي هذا من الضلال والتلبيس ما فيه، من مخالفة العلماء واتباع المتشابه واحتكار الحق برغم أنهم الأصاغر الذين حذر النبي صلى الله عليه وسلم منهم وجعل اتّباعهم من علامات آخر الزمان.

6- مما وقع فيه شمس ومَن خلفه من خلل نفيهم وقوع الخطأ في الأصول والفروع من الأفاضل كالصحابة والتابعين والأئمة والعلماء، وأن خطأهم الصادر عن جهل أو اجتهاد يكون مغفورا لهم حتى في الأصول، وفي ورقة الأستاذ المحقق علاء إسماعيل «موقف السلفيين من العلماء المخالفين» وتعقيبه على الحوار في صفحته على الفيسبوك سرد لأمثلة من أخطاء بعض الأفاضل الكبار، وأن جهلهم ببعض المسائل ممكن بل وقع.

ولكن جهل شمس ومن خلفه جعلهم ينكرون ذلك ويستحيلون الخطأ في الأصول!

7- كشف الحسيني في حواره مع شمس عن ضحالة فهم شمس حيث أنه ينقل نصّا للذهبي في ترجمة النووي يحمل تناقضا بيّنا حيث ينقل قوله في النووي: «ولا يحتمل كتابنا أكثر ممّا ذكرنا من سيرة هَذَا السّيّد رحمة اللّه عليه، وكان مذهبه فِي الصّفات السّمعية السّكوت وإمرارها كما جاءت، وربّما تأوَّل قليلًا فِي شرح مسلم. والنووي رجل أشعري العقيدة معروف بذلك، يبدّع من خالفه ويبالغ في التغليظ عليه».

ومن الواضح أن آخر سطر  الذي يصفه بالأشعرية يعارض ما قبله من كون مذهبه السكوت وإمرار الصفات السمعية!

ويلزم أي قارئ نبيه أن يتنبه للتناقض، ويزداد اللوم والعتب حين تعرف أن هذا التناقض قد نبّه عليه من قبل عدد من الباحثين، ولما أخرج له الحسيني صور المخطوطات تكبر عن الاعتذار والتراجع مع تكرار طلب الحسيني منه ذلك، مما يكشف عن استكبار مع الجهل والضحالة.

8- كشف الحسيني أن شمس لم يعتمد منهجية سليمة في تسويد «عقيدة النووي» فهو لم يستقرئ كتب النووي ويجمع شتات كلامه في العقيدة وأبوابها، بل اعتمد على قراءة سطحية لبعض المواضع من كتبه استخرج منها ما ظنه شمس خطأ، فكشف له الحسيني عن نصوص مخالفة لِما زعمه شمس من عقيدة النووي وتكون قبل الموضع الذي نقل منه أو بعده بصفحات، مما يؤكد أنه يبحث عن التهمة والتبديع وأنه يصدر عن موقف محدد ومسبق، ولذلك كال له اتهامات باطلة كما في نسبة النووي للإرجاء وهو بريء منه كله!!

كما أنه كان ينقل من أقوال النووي ما يخدم قصده وقناعته في هدم النووي مع حذف بعض الأجزاء من النص، كما أثبت ذلك الحسيني أن شمس حذف في أحد الاستشهادات كلاما للنووي في ثلاثة مواطن تبطل مراد شمس!

وهذا يسقط الأمانة العلمية لشمس وأنه لا يحرص على الصدق والدقة في اتهام النووي والطعن في دينه برغم شهرة كتبه وانتشارها!!

ومع ذلك لم يستغفر ويعتذر ويعلن عن تصحيح تسويده مستقبلا!!

9- مع معرفة شمس بوجود كتاب للنووي بعنوان «جزء في الحرف والصوت» وتعرض له في خاتمة تسويده، وألفه قبل شهرين من وفاته، وأثبت هذا الكتاب للنووي عدد من المحققين والباحثين، وعدّوه تراجعا منه عن كثير من أخطائه السابقة، ولكن شمس لم يقبل ذلك في تسويده وأنكره بحجة أن البعض شكك فيه!

طيب؛ إذا كان البعض شكّك والبعض أثبت، إذًا ادْرس الموضوع وابحث فيه بدلا من الرفض بلا حجة ولا برهان، وقد أسقط في يده حين أظهر له الحسيني صور مخطوطات “جزء في الحرف والصوت”!

لكن عادته في تسويده أن يورد ما يدين النووي فقط! دون أن يذكر أي شيء في صالح النووي، فهل هذا هو منهج السلف في العدل والأمانة مع الخصوم؟!

10- وبعد كل هذا، ورغم مرور عدة أيام على الحوار لم نجد أن شمس تراجع عن أخطائه في الحوار:

– فلم يتراجع عن خطأ نسبة الذهبي للنووي للأشعرية.

– ولم يتراجع عن نسبة النووي للإرجاء.

– ولم يتراجع عن التدليس والتلبيس بنسبة التبديع والذم للنووي بعينه من قبل العلماء المعاصرين والقدماء.

– ولم يتراجع عن إنكاره لكتاب «جزء الحرف والصوت» الذي يصب في صالح النووي.

وأخيرًا:

هل مَن كان هذا حاله يسمح له في منهج السلف التصنيف والحكم على العلماء بالتبديع والضلال؟ وهدم جهودهم ونبذ علومهم؟

وهل مثل هذا يجوز أن يتصدر لتوجيه العامة والناشئة في المسائل العظام وتجاوز نهج العلماء المعاصرين والسالفين.

إن علماءنا -قديما وحديثا- يثنون على النووي ويطبعون كتبه ويشرحونها ويدرّسونها منذ عقود بعيدة، وفي الوقت نفسه ينبهون على أخطائه، ولم يتلبس أحد بأخطاء النووي وتأويلاته، فهذا الورع البارد هو أحد خطوات تلبيس إبليس في الحقيقة، ولن يقف هؤلاء الأصاغر مع النووي بل سيكملون غاية الشيطان في تنفير المسلمين عن غالبية العلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهل ندرك خطورة هذا المسلك الشيطاني؟؟

أسامة شحادة

كاتب وباحث في شئون الفرق والجماعات الإسلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى