أفريقيا.. هل تنجح إيران بعد الحرب الأخيرة فى توسيع مشروعها الصفوى الشيعى؟ ومن يسمح لها؟

خرجت إيران الصفوية الشيعية من حرب الإثني عشر يومًا ضد الكيان وهي تحمل بطاقة قوة جديدة تضعها في ملعب المنطقة العالمي رغم الدمار الذي خلفته الحرب، والضغوط الدولية لم تتراجع بل استمرت في التماسك والبقاء كقوة إقليمية،

هذه الحرب التي  غيرت قواعد اللعبة وفتحت أمام طهران أبوابًا جديدة لتعزيز حضورها في أفريقيا التي كانت دائمًا ساحة للتحالفات والنفوذ، فهل تنجح؟؟ وكيف توقف الدول السنية احلام الصفويين فى تمدد المشروع الشيعى.

العلاقات القديمة وتحولات بعد الحرب

يقول الكاتب الصحفى السودانى ” الصادق الرزيقى”: تمتلك إيران تاريخًا من العلاقات المحدودة مع بعض دول أفريقيا مثل الجزائر وجنوب أفريقيا وبلدان القرن الإفريقي والساحل لكنها الآن تواجه مرحلة جديدة تتطلب استراتيجية محسوبة لتعزيز العلاقات مع دول أكثر مرونة، وتحقيق توازنات جديدة

إذ أن النتائج الإيجابية للحرب أظهرت أن إيران تراجعت عن الحذر السابق الذي كانت تفرضه الضغوط الدولية والإسرائيلية وبدأت بعض الدول تظهر استعدادها للتعاون.

 فرص جديدة تلوح في الأفق

وأضاف: ” ما بعد الحرب يفتح لإيران الصفوية ومشروعها الشيعى، فرصًا لتعزيز حضورها في القارة بقوة إذ أن خروجها من الصراع وهي لا تزال لاعبًا إقليميًا مهمًا يجعلها تملك أوراقًا تفاوضية قوية خاصة مع دول لا تزال تنظر بعين الاعتبار لمصالحها من جهة أخرى،

,وتاتي التحركات الإيرانيةتتي في سياق سعيها لمواجهة التحديات القائمـة مع دول مثل المغرب الذي يظل يعارض دعمها لجبهة البوليساريو فالمسارات تتغير بسرعة في المنطقة والرهانات على المستقبل واضحة إذ أن القارة الإفريقية لا تزال ساحة لصراع النفوذ غير المعلنة”، فهل تتركها دول الاسلام السنى؟

لا خيار أمام طهران إلا الاستفادة من الهامش المتاح

ويؤكد: ” لا خيار أمام طهران اليوم غير ترميم وتطبيب جراحها ثم الاستفادة من هامش المناورة المتاح الآن ومواصلة انفتاحها نحو أفريقيا إذ يمكنها تطوير تعاونها مع زيمبابوي والنيجر في تبادلية النفط والدعم الفني مقابل اليورانيوم وهي في حاجة ماسة كما يبدو للتعاون في هذا المجال

إضافة إلى مواصلة التعاون العسكري والتجاري مع دول غرب أفريقيا وشرقها والاستثمارات في صناعة السيارات والمعدات الزراعية مع السنغال وموزمبيق وتنزانيا وإثيوبيا ومتابعة الملفات ذات الطبيعة الإستراتيجية المتعلقة بالوجود الفعلي في باب المندب والبحر الأحمر مع جيبوتي وإريتريا والسودان وهو أولوية تترافق مع الوجود في اليمن”.

 تعزيز النفوذ في المنطقة وخطر السيطرة على ممرات التجارة

تدخل هذه العلاقات في دائرة دعم النفوذ الإقليمي مع وضع هذا الوجود في هامش المناورة إذا استمر الحوار الإيراني الأوروبي ويثير وجود إيران قلق الدول الأوروبية، التي ترى أن التواجد في القرن الأفريقي وباب المندب والبحر الأحمر يعزز من قدرتها على السيطرة على أهم ممرات التجارة الدولية ومضيق هرمز الذي تمر عبره خُمس احتياجات العالم من البترول والغاز وباب المندب الذي يُعد من أهم الممرات البحرية العالمية

 مصالح استراتيجية بعد الحرب

على صعيد آخر، لا تملك طهران ما تخسره بعد هذه الحرب لكنها تسعى بلا شك لتعويض ما فقدته وصناعة تحالفاتها الإقليمية لتوطئة المرحلة المقبلة كما أن محور علاقاتها مع روسيا والصين في أفريقيا سيكون أكثر نشاطًا

ويشمل دول الساحل مثل النيجر وبوركينا فاسو ومالي وغينيا كوناكري ومع دول شمال أفريقيا مثل الجزائر وتونس وربما مصر، وفي الشرق الأفريقي السودان وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وتنزانيا وفي الجنوب تجد علاقاتها أكثر اطمئنانًا مع جنوب أفريقيا وموزمبيق وأنغولا التي ستظل رأس الرمح في تعزيز وجودها في الجنوب الأفريقي

الموقف الأفريقي المتصاعد ضد الكيان

تستفيد إيران من تغيرات وميزات كثيرة الآن في البلدان الأفريقية أهمها أن الموقف الأفريقي يتصاعد ضد إسرائيل خاصة أن جنوب أفريقيا والجزائر تتصدران تيارًا مناوئًا لإسرائيل وتعطلان وجودها داخل الاتحاد الأفريقي كمراقب، وهو ما يعزز من حضور إيران ويعطيها فرصة لتعميق علاقاتها وتوسيع نفوذها في المنطقة

دعم جنوب أفريقيا والجزائر ضد الكيان

قادت جنوب أفريقيا الحملة الدولية الضخمة والقضية أمام القضاء الدولي ضد الكيان الصهيوني وجرائمه في قطاع غزة، وكلتا الدولتين، الجزائر وجنوب أفريقيا، حليفتان لإيران، وتدعمان مواقفها الإقليمية والدولية.

ويُعد هذا الدعم من العوامل المهمة التي عززت من حضور إيران ونفوذها في المنطقة، خاصة في ظل تراجع النفوذ الفرنسي والأميركي وزيادة النفوذ الروسي، مع رسوخ القدرات الصينية في القارة، مما يسمح لإيران بالتمركز بشكل أكبر في العديد من البلدان التي تتحالف مع حلفائها الدوليين، وهو ما يبرز جليًا في علاقاتها الأفريقية الحالية.

 النفوذ الناعم والاستثمار الثقافي والديني

ويقول ” الرزيقى” : لا بد من الإشارة إلى أن إيران استثمرت بشكل كبير عبر العقود الماضية في قوى ناعمة في أفريقيا، حيث حصدت نتائج ملموسة بوجود مجموعات شيعية تتبع مذهبها في القارة. ففي نيجيريا، على سبيل المثال، يُقدر أن هناك حوالي خمسة ملايين من أتباع المذهب الشيعي،

إلى جانب وجود مجموعات شيعية كبيرة في السنغال، سيراليون، غانا، ليبيريا، وساحل العاج، ومالي، وغينيا بيساو، وغينيا كوناكري، بالإضافة إلى انتشارها في شرق القارة وجنوبها، مثل كينيا، وتنزانيا، وموريشيوس، وجزر القمر، وزامبيا، ومدغشقر، وموزمبيق، وملاوي، مع وجود مجموعات تنتمي للمذهب في وسط أفريقيا كتشاد، والجابون، والكونغو الديمقراطية، والكاميرون”.

كما تُعد المؤسسات الثقافية والحوزات العلمية والمناسبات الدينية والمنح الدراسية التي تقدمها طهران سنويًا لآلاف الطلاب الأفارقة من أدوات التأثير الناعمة الرئيسية، خاصة وسط المجتمعات المسلمة التي باتت تنظر بشكل متزايد إلى إيران بعد مواقفها العدائية لإسرائيل وقصفها لمواقعها،

باعتبارها طرفًا قادرًا على المواجهة، مما يعزز من صورتها كقوة إقليمية تتمتع بقدرة على حماية الشعوب والدول المناوئة لأميركا وإسرائيل.

 تأثير الحرب على وضع إيران في أفريقيا

وبضوء ذلك، فإن الحرب الأخيرة وضعت إيران في موقع أفضل، بما يتماشى مع الموقف الأفريقي الراهن، حيث تعززت صورة طهران كفاعل قوي في مواجهة النفوذ الإسرائيلي والدولي. هذا الهامش من المناورة يسمح لإيران بتعزيز روابطها في أفريقيا،

وتوسيع نفوذها من خلال علاقاتها مع حلفائها الدوليين، خاصة مع روسيا والصين، اللتين تتواجدان بقوة في المنطقة، مما يمنح إيران فرصة لتعميق تواجدها ومصالحها في العديد من دول القارة، سواء كانت في الساحل، شمال أفريقيا، أو شرقها،

بما في ذلك دول مثل النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي، وغينيا كوناكري، والجزائر، وتونس، ومصر، والسودان، وإثيوبيا، وجيبوتي، والصومال، وتنزانيا، مع استمرار علاقاتها التاريخية مع جنوب أفريقيا وموزمبيق وأنغولا، التي تمثل رأس الحربة في استراتيجياتها في الجنوب الأفريقي.

وعلى الجانب الآخر، يشهد الشرق الأوسط منذ عقودًا صراعًا إقليميًا بين الدول السنية الكبرى والخليجية من جهة وبين ايران الصفوية من جهة  أخرى، حيث يمثل التمدد الإيراني الشيعي أحد أبرز التحديات التي تعيق استقرار المنطقة وعلاقتها السياسية والأمنية والاقتصادية

إضافة إلى توترات طائفية عميقة تسببها ايران بسبب منهجهم ورؤيتهم فى امور فارقة ومفصلية فى الدين وسنة النبى محمد عليه الصلاة والسلام.

الأبعاد الدينية والسياسية

تعتبر إيران نفسها الحامية للشيعة في المنطقة وتسعى لتمديد نفوذها عبر دعم ميليشيات شيعية في العراق ولبنان وسوريا واليمن إضافة إلى دعم شخصيات سياسية واعلامية مقابل ملايين الدولارات،  واعتمدت على الاستراتيجيات الدينية والثقافية لتعزيز نفوذها طائفياً وسياسياً،

بينما تسعى الدول السنية والخليجية للحفاظ على تماسك مجتمعاتها واستقرارها السياسي وتعمل على بناء تحالفات إقليمية ودولية لمواجهة النفوذ الإيراني المستمر

التحالفات العسكرية والدبلوماسية

بدأت دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات ومصر وسلطنة عمان في تعزيز قدراتها العسكرية من خلال ضخ الاستثمارات في الدفاع والتدريب والتعاون مع حلفاء غربيين من أجل ردع التمدد الإيراني،

حيث أسست تحالفات إقليمية مثل التحالف العربي  بقيادة  السعودية لدعم الشرعية في اليمن ومحاربة الحوثيين المدعومين من إيران كما عززت التعاون الدبلوماسي عبر قنوات متعددة مع الولايات المتحدة وأوروبا لدعم مواقفها في مواجهة النفوذ الإيراني وهذا التشابك في التحالفات يعكس رغبة واضحة في اتقاء أي تمدد إيراني يزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي.

التدخلات العسكرية والاقتصادية

إلى جانب التحالفات العسكرية سعت الدول الخليجية إلى تنفيذ استراتيجيات اقتصادية وسياسية لمواجهة المشروع الإيراني عبر فرض عقوبات اقتصادية على إيران، ودعم الأنشطة الاقتصادية الوطنية وتعزيز القدرات السيادية الداخلية، كما زادت من جهودها في المجال الأمني من خلال إنشاء أجهزة أمنية مشتركة وبرامج لمكافحة الإرهاب والتطرف مرتبط بقضية التمدد الإيراني الذي يراه كثير من هذه الدول تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.

التحديات المستقبلية

يبقى المستقبل مرهونًا بمدى قدرة هذه الدول على توحيد مواقفها وتطوير استراتيجيات طويلة الأمد لمواجهة النفوذ الإيراني الصفوى الشيعى، وتصعيد الموقف السياسي والدبلوماسي والأمني مع إيران خاصة في ظل التوترات المستمرة والخيارات المتعددة بين المواجهة المباشرة أو التهدئة واتخاذ مواقف مرنة تتكيف مع المستجدات،

ومن المحتمل أن تستمر التوترات الطائفية وتزداد حدتها إذا لم تتوصل الأطراف إلى توافقات تضمن أمن واستقرار المنطقة بشكل دائم.