الأمة الثقافية

ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى”.. شعر: ابن هانىء الأندلسي

من روائع الشعر العباسي

ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى

وكلُّ حياةٍ إلى مُنْتَهَى

وما غَرّ نَفْساً سوَى نفسِها

وعُمْرُ الفتى من أماني الفتى

فأقْصَرُ في العينِ من لَفْتَةٍ

وأسرَعُ في السمع من ذا ولا

ولم أرَ كالمرْءِ وهو اللبيبُ

يرَى ملءَ عيْنَيْه ما لا يُرَى

وليسَ النّواظرُ إلاّ القلوبُ

وأمّا العيونُ ففيها العمى

ومنْ لي بمثلِ سلاح الزّمانِ

فأسْطو عليه إذا ما سطا

يَجُدُّ بنا وهو رَسْلُ العِنانِ

ويُدرِكُنا وهو داني الخُطى

برَى أسْهُماً فنَبَا ما نَبا

فلم يبْقَ إلاّ ارتهافُ الظُّبى

تُراشُ فتُرْمَى فتُنمي فلا

تَحيدُ وتُصْمي ولا تُدَّرى

أأُهْضَمُ لا نَبعَتي مَرْخَةٌ

ولا عَزماتي أيادي سَبا

على أنّ مِثلي رحيبُ اللَّبانِ

على ما ينُوبُ سَليمُ الشظى

ولو غيرُ رَيبِ المَنونِ اعتدى

عليّ وجرّبني ما اعتدى

خليليّ هل ينفعَنّي البُكاءُ

أوِ الوَجدُ لي راجعٌ ما مضى

خليليّ سيرا ولا تَربَعا

عليّ فهَمّيَ غيرُ الثَّوى

ولي زَفَراتٌ تُذيبُ المَطِيّ

وقلْبٌ يَسُدُّ عليّ الفَلا

سَلا قبل وَشك النوى مدنَفاً

أقَضّتْ مضاجِعهُ فاشتكى

وراعى النّجومَ فأعشَيْنَه

فباتَ يظنُّ الثّريّا السُّهَى

ضلوعٌ يضِقنَ إذا ما نَحَطنَ

وقلبٌ يفيضُ إذا ما امتلا

وقد قلتُ للعارض المكفَهِرِّ

أفي السِّلم ذا البرقُ أم في الوغى

وما بالُه قادَ هذا الرّعيلَ

وقُلّدَ ذا الصّارمَ المُنتَضَى

وأقبَلَه المُزنُ في جَحْفَلٍ

وأكذبَ أن صَدّ عني الكرَى

أشيمُكَ يا برق شيْمَ النُّجيم

وما فيك لي بَلَلٌ من صَدى

كِلانا طَوى البيدَ في ليلِهِ

فأضْعفُنا يَتَشَكّى الوَجى

فجُبْتَ الغَمامَ وجُبتُ الغرامَ

حنانيك ليس سُرىً من سُرى

أعِنّي على الليل ليلِ التّمامِ

ودعني لشاني إذا ما انقضَى

فلو كنتُ أطْوي على فتكِهِ

تكشّفَ صبحي عن الشَّنْفرَى

وما العين تعشقُ هذا السُّهادَ

ووَدّ القَطا لو ينَامُ القَطا

أقولُ وقد شقّ أعلى السحابِ

وأعلى الهِضابِ وأعلى الرُّبَى

أذا الوَدْقُ في مثل هذا الرّباب

وذا البرْقُ في مثل هذا السنا

ألا انهلّ هذا بماءِ القلوبِ

وأُوقدِ هذا بنارِ الحَشَا

فيهْمي على أقْبُرٍ لو رأى

مكارمَ أربابها ما هَمَى

وفي ذي النواويسِ موْجُ البحارِ

وما بالبحارِ إليْهِ ظَما

هلمّوا فذا مصرَعُ العالَمينَ

فمن كلّ قلبٍ عليه أسى

وإنّ التي أنْجَبَتْ للورى

كآلِ عليّ لأمُّ الورى

فلوْ عِزّةٌ أنْطَقَتْ مُلحَداً

لأنْطَقَ مُلحَدَها ما يَرَى

بكتْه المغاويرُ بِيضُ السيوفِ

وهذي العَناجيجُ قُبُّ الكُلى

ولمّا أتينا سقَتْه الدموعُ

فما باتَ حتى سقاه الحَيا

وما جادَه المزْنُ من غُلّةٍ

ولكنْ ليبْكِ النَّدى بالنَّدى

وقد خدّ في الشمس أُخدودَه

ولكن سَبَقْنا به في الثرى

وما ضَرّ من لم يَطُفْ بالمقامِ

إذا طافَ بالجوسَقِ المُبْتَنى

وقالوا الحَجونُ فثَمّ الحجونُ

وثَمّ الحَطِيمُ وثَمّ الصَّفا

وبينَ الشمالِ وبين الجنو

بِ في هَبوَةٍ من مَهَبّ الصَّبا

قبورُ الثلاثةِ في مصْرَعٍ

أما كان في واحدٍ ما كفى

أما والركوعُ به والسجودُ

إذا ما بكَى قانتٌ أو دعا

لَذاكَ الصّعيدُ وذاك الكديدُ

أحَقُّ من الخَيْفِ بي أو مِنى

ولو جاوَرَ العرَبَ الأقدمينَ

وفي الذاهبينَ وفَى مَنْ وَفى

أتَتْه الحجيجُ من الرّاقصاتِ

فمنها فُرادى ومنها ثُنا

فما ليَ لا أقتدي بالكِرامِ

وأوثِرُ سُنّةَ مَن قد خلا

إذا ما نحرتَ به أو عقرتَ

فعَدِّ الخوانفَ ذاتَ البُرى

ولا ترْضَ إلاّ بعَقْرِ الثناءِ

ونَحْرِ القَوافي وإلاّ فلا

فلوْلا الدّماءُ إذاً أقبلتْ

عليه تَكوسُ ذواتُ الشَّوى

إذاً لم تُغادرْ غُرَيْرِيّةً

تَخُبُّ ولا سابحاً يُمتطَى

يُعَدُّ الشريفُ وأعمامهُ

وأخوالهُ فيه شِرْعاً سُوى

وإنّ حَصاناً نَمَتْ جعفراً

ويحيَى لَعاديّةُ المنتمى

فجاءتْ بهذا كشمسِ النهارِ

وجاءت بهذا كبدرِ الدّجى

تَرى بهما أسَدَيْ جَحْفَلٍ

غَداةَ المواكبِ وابنَي جَلا

ألمْ تَك من قوْمها في الصّميم

ومن مجدِها في أشَمّ الذُّرى

فمن قومكَ الصِّيدُ صِيدُ الملوكِ

ومن قومها الأُسدُ أُسْدُ الشرى

فوارسُ تُنضي المذاكي الجِيادَ

إذا ما قَرعنَ العُجا بالعُجا

يُضيءُ عليهمْ سَنا الأكرمينَ

إذا ما الحديدُ عليهم دجا

فجئتَ كما شئتَ من جانبَيك

فأنتَ الحياةُ وأنتَ الرّدى

فصِلُّكَ يُرْقى ولا يَستجيبُ

وناركَ تُذكَى ولا تُصْطَلى

ومن ذاك أضْنيتَ صرفَ الزمان

فلم يُخفِهِ عنْكَ إلا الضّنى

فلم تُغمِدِ السيفَ حتى انثنى

ولم تصرِفِ الرُّمحَ حتى انحنى

وإنّ الّذي أنتَ صِنْوٌ له

لمَاضي العَزَائمِ عَرْدُ النَّسا

يُبيرُ عِداكَ إذا ما سَطَا

ويُعرَفُ فيهم إذا ما احتبى

ويأتي على أعيُنِ الحاسدينَ

إذا سألوا مَن فتىً قيل ذا

بنو المنجِباتِ بنو المُنجِبينَ

فمِن مُجتَباةٍ ومن مُجتَبَى

لأمّاتِنَا نِصْفُ أنْسابِنَا

إذا المَلِكُ القَيلُ منَّا انتمَى

دَعائِمُ أيّامِنا في الفَخارِ

وأكْفاءُ آبائِنا في العُلى

ألمْ تَرَهُنّ يُبارينَنَا

فيَمرُقْنَنَا ويَنَلْنَ المدى

كفَلنَ لنا بظِلالِ الخِيام

وأكفَلنَنَا بظِلالِ القَنا

وتغدو فمنهنّ أسماعُنا

وأبصارُنا في حِجالِ المها

فلوْ جازَ حكميَ في الغابرينَ

وعدّلْتُ أقسامَ هذا الوَرَى

لسمّيتُ بعضَ النساء الرجالَ

وسمّيتُ بعضَ الرجال النسا

إذا هي كانتْ لكشفِ الخطوبِ

فكيفَ البنون لضَرْبِ الطُّلى

تولّتْ مُرَفِّلَةً للملوكِ

فمن مصطفى النجل أو مرْتضَى

وأكثرُ آمالِها فيكما

وفي القلب منها كجمر الغضا

فقد أدركت ما تمنت فلا

تضيقا عليها بباقي المنى

فلولا الضّريحُ لنادتكما

تُعيذُكما من شماتِ العِدى

فإمّا تَزِيدانِ في أُنسِها

وإمّا تَذودانِ عنها البِلى

فقد يُضحك الحيُّ سنّ الفقيدِ

فتهتَزُّ أعظُمُه في الثرى

ومهما طلبتَ دليلَ الكرامِ

فإنّ الدّليلَ ائِتلافُ الهوَى

وأنتَ اليَمينُ فَصُلْ بالشمال

فما بيَدٍ عن يدٍ من غنى

وليسَ الرّماحُ بغيرِ السيوفِ

وليس العِمادُ بغيرِ البِنا

ومن لا يُنادي أخاً باسمِهِ

فليس يُخافُ ولا يُرتَجَى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى