اجتمع رئيس الولايات المتحدة الأميركية مع رؤساء خمس دول أفريقية هي ليبيريا، السنغال، غينيا بيساو، موريتانيا والغابون في العاصمة واشنطن، في لقاء يهدف إلى إعادة تشكيل العلاقة بين واشنطن والقارة الأفريقية.
اعادة العلاقة واشنطن والقارة الأفريقية
ركز الاجتماع على التحول من نموذج المساعدات التقليدية إلى نموذج قائم على الشراكات التجارية والاستثمار المباشر. الرئيس الأميركي أشار إلى أن هذه الدول تمتلك موارد طبيعية مهمة مثل النفط، المعادن، الأراضي الزراعية والمعادن الاستراتيجية النادرة، مما يجعلها شريكة محتملة في تأمين احتياجات الاقتصاد الأميركي، خاصة في ظل تصاعد المنافسة مع الصين في القارة السمراء.
التهريب وعمليات القرصنة
كما تطرق اللقاء إلى ملف الأمن في منطقة غرب أفريقيا، بما في ذلك التهديدات التي يشكلها التهريب وعمليات القرصنة في خليج غينيا، حيث أعرب القادة الأفارقة عن حاجتهم إلى دعم لوجستي وتقني لتعزيز الأمن البحري.
قضية الهجرة كانت حاضرة في المحادثات، خصوصاً بعد أن أصبحت بعض دول غرب أفريقيا نقطة عبور لمهاجرين غير نظاميين في طريقهم إلى الولايات المتحدة عبر أمريكا الجنوبية. ناقش الجانبان إمكانية إعادة بعض المرحلين إلى دولهم الأصلية، في إطار اتفاقيات محتملة لإدارة تدفق المهاجرين.
ويأتي هذا الاجتماع في وقت تسعى فيه واشنطن إلى توسيع حضورها في أفريقيا عبر شراكات استراتيجية طويلة الأمد، خصوصاً مع تنامي الأدوار الصينية والروسية في عدد من دول القارة.
الخبراء والمحللون
أجمع عدد من الخبراء والمحللين على أن الاجتماع بين الرئيس الأميركي وقادة خمس دول أفريقية يمثل تحوّلًا لافتًا في السياسة الأميركية تجاه القارة، في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتصاعدة.
يرى محللون في الشأن الأفريقي أن واشنطن باتت تدرك أهمية القارة الأفريقية كمجال تنافس استراتيجي، خاصة بعد تنامي النفوذ الصيني والروسي في مجالات الطاقة والبنية التحتية. وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة تسعى اليوم لتعويض سنوات من التراجع عبر طرح نموذج جديد يقوم على الشراكة الاقتصادية، لا المساعدات المشروطة.
خبراء الاقتصاد والتنمية أبدوا تفاؤلًا حذرًا، معتبرين أن الانتقال من الدعم إلى الاستثمار قد يفتح آفاقًا أمام القارة، لكنه يتطلب ضمانات قانونية وعدالة في العقود، حتى لا يتحوّل إلى مجرد شكل جديد من استغلال الموارد. وأكد بعضهم أن نجاح هذا النموذج يرتبط بقدرة الحكومات الأفريقية على فرض شروط تضمن مكاسب حقيقية لشعوبها.
في المقابل، رأى مختصون في العلاقات الدولية أن الاجتماع يعكس رغبة أميركية في استعادة زمام المبادرة في أفريقيا، من خلال مشاريع اقتصادية تغلف بأبعاد دبلوماسية وأمنية، خصوصاً في ظل التوترات التي تشهدها منطقة غرب أفريقيا. ولفتوا إلى أن واشنطن تحاول تقديم نفسها كشريك “أكثر شفافية” مقارنة ببكين، دون أن تقدم حتى الآن بديلاً متماسكًا.
أما في ما يخص ملف الهجرة، فقد اعتبره نقاد محاولة أميركية لتوظيف نفوذها الاقتصادي لإقناع بعض الدول بإعادة قبول مهاجرين غير نظاميين تم ترحيلهم، دون أن تقدم في المقابل برامج دعم حقيقية لمعالجة جذور الظاهرة من فقر وغياب فرص العمل.
في المجمل، يرى الخبراء أن اللقاء خطوة مهمة، لكنها اختبار فعلي لجدية الولايات المتحدة في بناء علاقة متكافئة مع أفريقيا، لا تقوم فقط على المصالح الآنية، بل على رؤية طويلة المدى تراعي مصالح الطرفين..