في زمن صار فيه الطعام جريمة، والخبز حلمًا يطارده الرصاص، وقفوا بقلوبهم، ليصنعوا من التبرعات قبس نور، لكن أوقف حلمهم سيف الإحتجاز الأمنى، وكان شرط حريتهم عدم العودة لفكرة التكايا المصرية لأهل غزة، المحاصرين بالموت والتجويع والمرض والتشريد.
وفقا لموقع ” صحيح مصر” ألقت قوات الأمن المصرية خلال الأسابيع الماضية القبض على عدد من المتطوعين المصريين العاملين في جمع التبرعات لتمويل تكايا الإطعام في غزة، ما تسبب في توقف عمل تلك التكايا المصرية، وبحسب 3 مصادر تحدث إليهم “صحيح مصر” أفرج عن عدد من المحتجزين بعد توقيع تعهدات بوقف عملهم ولكن مازال عدد مجهول من المتطوعين رهن الاحتجاز، وفقا للموقع ناقل الخبر.
وحسب موقع ” صحيح مصر” : ظهرت تلك التكايا نتيجة منع جيش الاحتلال الإسرائيلي دخول المساعدات إلى القطاع وتجويع الشعب الفلسطيني، وبدأت في الانتشار وتزايد عددها مع تراجع حجم مخزون المواد الغذائية.
ويتولى القائمون عليها طهي الطعام وتوزيعه على الجائعين في القطاع المحاصر ويستفيد منها آلاف الفلسطينيين.
تحدث “صحيح مصر” إلى ثلاثة مصادر إحداهن من مؤسسي واحدة من مبادرات تمويل التكايا والمفرج عنها وفريقها مؤخرًا، ومصدر من أسرة مؤسسة إحدى المبادرات، والتي لا زالت محتجزة حتى الآن، ومصدر ثالث من المتبرعين والذين أجمعوا على توقف عمل التكايا التي كانت تمول من التبرعات المصرية بعد إلقاء قوات الأمن القبض على المتطوعين وإرغامهم على الاستجابة للطلبات الأمنية بوقف عملهم مقابل الإفراج عنهم.
يذكر أنه في الأشهر الماضية أوقفت إسرائيل دخول المساعدات إلى القطاع، وبدأت حملة تضييق على منظمات الإغاثة الدولية وخاصة منظمتي الأونروا والمطبخ العالمي، مما زاد من تفاقم أزمة نقص المواد الغذائية والتي بلغت اليوم جريمة تجويع يموت فيها الصغار والكبار بينما يبحثون عن كسرة خبز.
وفي إبريل الماضي أعلنت الأونروا رسميا نفاد مخزونها من الطحين والطرود الغذائية، واضطرارها لوقف عمليات توزيع الغذاء إذ لم يسمح جيش الاحتلال للوكالة بإدخال أي مساعدات للقطاع ،بما في ذلك الغذاء منذ مارس الماضي وحتى الآن.
وفي السطور التالية نتتبع رحلة ثلاث فتيات ساهمن في تدشين تكايا الإطعام التي يمولها مصريون في غزة قبل أن تنتهي رحلة الأولى بتوقيع إقرار بوقف نشاطها، والثانية بالاحتجاز المستمر منذ أسابيع، والثالثة بالبحث عن طريق جديد للمساعدة بينما تشتد المجاعة، وفقا لموقع” صحيح مصر”
ليلى، وهو اسم مستعار لواحدة من المتبرعين للتكايا بدأت عقب اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023 رحلة بحث قصيرة عن جهة موثوقة يمكنها التبرع من خلالها لتوفير الأدوية والملابس والأغطية والخيام وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
في بدايات الحرب لم تكن الحاجة إلى الطعام طاغية إذ كانت العديد من المؤسسات الدولية والجمعيات الخيرية لا تزال تعمل داخل القطاع كما أن السكان كانوا يحتفظون ببعض المال وكانت البضائع متوفرة وإن كانت بأسعار مرتفعة.
وجدت ليلى ضالتها في جمعية أهلية معروفة وموثوقة لتقديم تبرعاتها، لكنها بعد أن شاهدت مصير تلك التبرعات المتكدسة في قوافل المساعدات على طول الطريق المؤدي إلى معبر رفح شعرت أن هذا الطريق لم يعد مجديًا وأنه لا بد من البحث عن وسائل أخرى أكثر فاعلية للدعم،
انتهى الأمر بليلى إلى التوصل إلى إحدى المبادرات المصرية التي تجمع التبرعات من الأقارب والأصدقاء والمعارف، ثم ترسلها مباشرة إلى ثلاثة شبان فلسطينيين داخل قطاع غزة يتوزع هؤلاء الشبان الثلاث على مناطق مختلفة أحدهم في الشمال وآخر في الجنوب والثالث في وسط القطاع، ويتولى كل منهم إدارة فريق صغير يعمل على تأسيس التكايا وطهي الطعام وتوزيعه على المحتاجين.
تمكن “صحيح مصر” من رصد خمس تكايا ممولة من تبرعات مواطنين مصريين مع العلم أن العدد الحقيقي أكبر نظرًا لصعوبة رصد جميع أنشطة تلك المجموعات التي تعمل سرًا خوفا من جيش الاحتلال الإسرائيلي وفي ظل عدم مركزيتها وعدم وجود آلية لحصرها أو تتبع نشاطها بالكامل.
تقول ليلى لصحيح مصر : إن مجموعتها تعمل منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023 تجمع تبرعات المصريين وترسلها بطرق مختلفة إلى الشبان الفلسطينيين وبدورهم يشترون بها احتياجات أساسية مثل الأرز والعدس والخضروات وألبان الأطفال وحفاضات الأطفال وأدوات النظافة الشخصية والفوط الصحية.
في بداية الحرب كانت هذه التحويلات تذهب لتغطية احتياجات متنوعة لكن مع تفاقم أزمة الجوع نتيجة الإغلاق الإسرائيلي ونفاد مخزون الغذاء في القطاع إلى جانب الارتفاع المهول في أسعار السلع المتاحة، أصبح التركيز منصبًا فقط على ما يحفظ الحد الأدنى من الحياة كقليل من الأرز أو الطحين، كما توفر المبادرات عربات مياه يوميًا بحسب ليلى.
مع هذا التراجع في مخزون المواد الغذائية في الأسواق واتساع رقعة التدمير إضافة إلى شح الغاز والمياه اللازمة للطبخ في البيوت، برزت فكرة التكايا وانتشرت بين أغلب المجموعات وبدأ الآلاف يتجمعون يوميًا أمام التكايا للحصول على قليل من الطعام المطبوخ كما نشاهد من الصور الصحفية المنتشرة عن المجاعة في غزة،
وكانت المجموعة التي تتحفظ “صحيح مصر ” حسبما ذكر الموقع، على هويتها ترسل إلى ليلى يوميًا مقاطع الفيديو من داخل القطاع تحمل تاريخ اليوم واسم المجموعة مما كان يطمئن قلبها إلى أن تبرعاتها وتبرعات أسرتها وأصدقائها تصل إلى مستحقيها في المكان والزمان المناسبين للوضع الحالي.
لكن هذا الشعور لم يدم حتى نهاية الحرب كما كانت تتمنى إذ فوجئت بإعلان المجموعة وقف نشاطها وإغلاق الجروبات التي كانوا يتواصلون من خلالها عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي.
وليست مجموعة ليلى وحدها ولكن توقفت أيضًا ثلاث تكايا على الأقل كانت تعتمد على تبرعات المصريين خلال الأسبوع الأخير من الشهر الماضي.
تقول نورا – حسب الموقع- وهو اسم مستعار لشابة من إحدى الفرق التي كانت تعمل على جمع التبرعات وتوصيلها للفريق الميداني داخل قطاع غزة إن مجموعتهم تشكلت مباشرة بعد اندلاع الحرب أيضًا وشهدت نموًا كبيرًا خاصة بعد قرار إسرائيل وقف دخول المساعدات عبر المعبر ثم وقفها كليًا في مارس الماضي وأضافت أن الفريق نجح في توفير الطعام والمياه وألبان الأطفال والمساعدات المالية لآلاف الأسر في القطاع.
في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي ألقي القبض على نورا وعدد من العاملين في مجموعاتها وتتحفظ على ذكر اسم الجهاز الأمني المسؤول عن احتجازها وزملائها لخطورة الموقف حسب تعبيرها.
وأبلغت خلال التحقيقات أن جمع تبرعات وتحويلها لفريق التكايا في غزة هو إجراء غير قانوني ويعرضهم للسجن.
لم تفكر نورا في قانونية الإجراء الذي اتبعته وزملائها مشيرة إلى أن المبادرة كانت تعمل كحل وحيد لتوصيل المساعدات في ظل إغلاق المعبر وعدم السماح بمرور المساعدات التي توفرها الجمعيات الأهلية، وأنهم اهتموا بتوثيق توصيل التبرعات عبر تصويرها بالفيديو لتبرئة ساحتهم وتأكيد مصداقيتهم وهو ما حسن قليلا من موقفهم أثناء احتجازهم مضيفة: كانوا عارفين إننا كنا بنساعد وبعض الضباط والمحققين تعاطف معانا.
أثناء احتجاز نورا وفريقها علمت أن معظم أصحاب المبادرات والمجموعات التي تجمع التبرعات لصالح تكايا غزة ألقي القبض عليهم أيضا ولا ترغب نورا بالتطرق للتفاصيل أكثر مشيرة أنهم تلقوا تحذيرات من التحدث عن الأمر.
قالت نورا في حديثها لصحيح مصر،: فريقنا كله وقّع إقرارات بعدم العودة لجمع التبرعات وتم الإفراج عنا جميعًا الحمد لله لكن هناك آخرين لم يخرجوا حتى الآن، وأكدت نورا أنها لن تعود لجمع التبرعات مجددًا حفاظًا على سلامتها وسلامة فريقها قبل أن تخرج عبارتها الأخيرة مختنقة: تقتلنا صور الأطفال الجوعى وعظامهم البارزة حاولنا لكننا مضطرون ولا نستطيع المواصلة.
وقال محمود وهو اسم مستعار لأحد العاملين بواحدة من تلك المبادرات أن مؤسسة المبادرة وهي أيضًا تربطها به صلة قرابة عائلية محتجزة منذ نهاية الشهر الماضي وكانت تركز عملها في الفترة الأخيرة على جمع التبرعات لصالح تكايا الإطعام في غزة، وصحيح مصر يحتفظ باسمها واسم مجموعتها حرصًا على سلامتها وهي واحدة ممن تحدثت عنهن نورا أيضًا.
وأشار محمود أن مؤسسة المبادرة المحتجزة تعمل بشكل مستقل في مجال الإغاثة وتنسق فريقًا ميدانيًا داخل غزة وكان توفير الطعام النشاط الأبرز لمجموعتها في الفترة الأخيرة حيث دشنوا تكية غداء بتمويل مصري خالص.
وأكد محمود باقتضاب احتجاز السيدة وطلب عدم الإفصاح عن هويتها أو تفاصيلها حرصًا على وضعها الأمني والقانوني، مشيرًا إلى أنه لا يملك تفسيرًا لسبب إطلاق سراح البعض بينما لا يزال آخرون قيد الاحتجاز وأضاف أن المجموعة تتلقى تطمينات بأن الأمر في طريقه للتسوية وقد يتم الإفراج عنها قريبًا خاصة بعد توقف نشاط التكية والمجموعة بالكامل واختتم حديثه قائلًا الست حاولت تساعد الجائعين وكلنا عاجزون.
حصل “صحيح مصر ” على معلومات من مصدر آخر تفيد بضبط أشخاص ينتمون إلى مجموعتين رئيسيتين على الأقل من العاملين في جمع التبرعات للتكايا، واشار الى انه لم نتمكن من التحقق من العدد الكامل لمن تم ضبطهم والتحقيق معهم أو من أُخلي سبيلهم أو من لا يزالون قيد الاحتجاز على خلفية جمع التبرعات لصالح غزة خاصة في ظل عدم صدور أي بيانات رسمية حتى الآن.
توقفت مبادرات دعم غزة وتوقفت معها التكايا لكن الحرب والجوع لم يتوقفا فقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة الثلاثاء 22 يوليو 2025 أن 101 فلسطينيًا لقوا حتفهم بسبب المجاعة وسوء التغذية 80 منهم من الأطفال فيما شهد اليوم الذى قبله وحده وفاة 15 من هؤلاء الضحايا.
وأكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية OCHA وقوع إصابات واسعة النطاق بين المواطنين أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء إذ يتعرضون لإطلاق النار من عناصر جيش الاحتلال عند اقترابهم أو تجمعهم عند نقاط توزيع المساعدات العسكرية وكذلك أثناء انتظارهم وصول الشاحنات المحملة بالإمدادات.
وأشارت وزارة الصحة الفلسطينية في أحدث تقاريرها اليومية الصادر الثلاثاء إلى أن عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا أو أصيبوا أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات بلغ 1026 شهيدًا و6563 مصابًا وفي الوقت ذاته بلغت حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة أرقام قياسية إذ بلغ عدد الشهداء منذ اندلاع الحرب ما يقارب 60 ألف شهيد و142 ألف مصاب.
وحذر أحدث تقارير وكالة الأونروا من استمرار تدهور وضع الأمن الغذائي في القطاع ، مشيرًا إلى أن معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعفت أكثر من مرة بسبب الحصار الإسرائيلي.
وأشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن الأسر في غزة تعيش على وجبة واحدة فقيرة غذائيًا طوال اليوم وفي بعض الحالات يقضي الناس أيامًا كاملة دون طعام.
في هذا المشهد القاتم تختنق نورا بالعجز بعد أن مُنعت من تقديم المساعدة اليسيرة التي كانت تتيحها مبادرتها، بينما عادت ليلى إلى رحلات بحثها المتكررة عن طريقة لتساعد بها أو على الأقل لتسكن شعورها بالعجز أمام الصور المروعة القادمة من القطاع ويبقى أطفال غزة وأهلها في مرمى القتل إما بنيران الحرب الإسرائيلية أو بالمجاعة بعدما أحكم الاحتلال حصاره على القطاع.
المصدر: موقع صحيح مصر