الشعر العربي
الأمة الثقافية

“أين المفرُّ “.. شعر: محمّد التميمي

يقول المولى تبارك وتعالى : ﴿مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ﴾ [ ق: 18]

لو علم الإنسان بمُخبِرٍ يَرقُبُه ويتتبَّعُ أقواله وأفعاله لأوجسَ منه خِيفة، وكان منه على حذَر، بل لترك ماأقدم عليه، فما بالُ هذا الإنسان مهما كانت منزلة هذا المخلوق لو علم بأن كل أقواله وأفعاله ونياته هي بين يَدَي العليم البصير جبار السماوات والأرض، وأنه سيحاسب عليها، ويومئذ : أين المفر؟! 

————————————————–

وأخصُّ فيها من بني الإنسانِ = مَن عاثَ بالإعلامِ في الأعنانِ

ومَن ارتأى الكذبَ المذمَّمَ قائلا = مافيه زور القولِ والتبيانِ

ومن استفزَّ بخبثه فيما أتى = للناسِ من عبثٍ ومن شنآنِ

ومن المبادئ صاغها أهلُ الهوى = من حاقد أعمى وذي أضغانِ

هاهم بأسواقِ الضلالِ استنسروا = من غير آدابٍ ولا وجدانِ

هم سوَّقوا هذي التجارةَ عنوةً = مستأنسين بدعمِ كلِّ جبانِ

وبكلِّ محفلِ فرقةٍ مأفونةٍ = سيؤول موقعُها إلى الخسرانِ

وبكيدهم هذا الذميم تشكلتْ = أحزابُ أهلِ الغيِّ والكفرانِ

وترعرعتْ مللُ تجافيها الحِجَى = لفسادها ولمكرها الشيطاني

ساقتْهم الأهواءُ بعد نزوحهم = من فطرة الباري إلى الكهانِ

ومن السمو بأنفسٍ جاءَ الهدى = لمكانةِ الإنسانِ والإيمانِ

فاستعملوا نعمَ الإلهِ لشرِّ ما = قالوا من الهذيانِ والبهتانِ

أولاءِ لمَّا يؤمنوا بعقيدة = قدسيةِ التوجيهِ والإحسانِ

فاستعذبوا سوء المقالَ وأدبروا = عن خيرِ ما قد جاءَ في القرآنِ

علماؤُهم أدباؤُهم إعلامُهم = ومفكروهم من فسادٍ عانُوا

ملأ الأذى دنيا الأنام لعُقمِ ما = في جعبةِ الضُّلاَّلِ من نكرانِ

للهِ خالِقهم وللدين الذي = فيه المفازةُ من لظى النيرانِ

أين المفرُّ إذا الموازين انجلتْ = فيها الشهادةُ وانجلى البرهانُ

هيهات ينفعُ من تمادى شرُّه = ما كان من جاهٍ ومن سلطانِ

 *****

ومن السفاهة والوقاحة والأذى = للناسِ من فكرٍ ومن عصيانِ

سيكونُ في يوم الحسابِ عقابُهم = عمَّا جنى من زورِ بثِّ لسانِ

ومن الذي فيها جنتْه يداهُ من = قتلٍ وتدميرٍ ومن عدوانِ

مايلفظُ الإنسانُ من قولٍ بها = إلا وسطَّرَ قولَه الملكانِ

طوبى لأهلِ القولِ ماقالوا سوى = ماكان من قيمٍ ومن إحسانِ

وتقومُ آدابُ الأفاضلِ بالذي = تُرضَى فرائدُه لدى الرحمنِ

فالشعرُ والنثرُ اللذان استوفيا = أسبابَ نيلِهما عرا الرضوانِ

كانا من المهجِ التي أوجاعُها = وجعُ الشعوبِ وسطوةُ الطغيانِ

فالقول أخبرْني إذا لم يفضحَنْ = ظلما عرا والبغيَ في البلدانِ

ويُشِدْ بأسبابَ النهوضِ لأُمَّةٍ = قد سامها الطاغوتُ بالإذعانِ

ويفجِّرِ الطاقاتِ في أحنائها = ويُثِرْ مشاعرَ روحِها الربَّاني

والشعرُ أخبرْني فما هو شأنُه = إن لم يكن للدِّين والإيمانِ !

ما أعذبَ الإنشادَ في قيم الهدى = والصَّدْعَ بين الخَلْقِ بالفرقانِ

وبسُنَّةِ الهادي البشيرِ أقالنا = من ظلمةِ الأهواءِ والإذعانِ

أما إذا لعبت به أهواؤنا = أو قد باتَ مطيَّةَ الشيطانِ

أو أنه أضحى لكلِّ متاجرٍ = بحضارة الترفيهِ في البلدانِ

وبكلِّ وادٍ سالَ في جنباته = فسقُ المخنثِ هاج كالفضيانِ

لعبتْ به النزواتُ أغناها الفجورُ . = .بعالَم السفهاءِ والخلانِ

ماعاد يضبطه بها شكلٌ ولا = قيمٌ ولا ماكان من أوزانِ

لم تستقمْ بهرائهم أركانُه = وطلاسمِ المفتونِ بالعمرانِ

فهوتْ بهم لمآلها الموعودِ في = قاعِ الهوانِ وقعره الملآنِ

بالموبقات أباحها أعداؤُنا = وبكلِّ مخزٍ في بني الإنسانِ

وَغَدَا يُباعُ على رصيفِ حضارةٍ = مُجَّتْ حماقةُ زيفِها العريانِ

ركلتْه أرجلُ وعيِ مَن لم يستمعْ = لفحيح أفعى العصر في العنوانِ

يبدو لذيذَ الطعمِ لكنْ سمُّه = غذَّى لهيبَ الحقدِ في البركانِ

قلها بيانا ناصعا لاتفتري = ماشاع من دجلٍ بلا أرسانِ

***** 

سيموتُ في سوقِ التَّبخترِ فاقدا = أغلى سُمُوِّ المطلع المزدانِ

ومَن ادَّعى زورا بأنَّ مكانه = عرشَ البيانِ بظله الفينانِ

وهو الهزيلُ بنفسه وبكَلْمِه = وهوى بقاعِ المقتِ لا الإيوانِ

وصُوَيْحبُ المغرورِ يعلمُ أنَّه = لايشتريه بأبخسِ الأثمانِ

ومآلُه ذاك التبابُ لأنه = مثلُ الغثاءِ يطوف في الشطآنِ

قد غرَّه المزمارُ في فمِ فاسقٍ = وعراهُ غيُّ مرارةِ الإدمانِ

يعوي لهدمِ العزِّ في تاريخنا = باسم التقدمِ حيلة الشيطانِ

واسمِ الحداثةِ أفلستْ أسواقُها = تجارُها لم تلقَ من أعوانِ

تاهوا وربِّك في مسارات الهوى = وبغمرةِ التدليسِ والرَّغوانِ

ويلفُّهم سوءُ المآلِ إذا أتى = قدرُ الإلهِ القادر الدَّيَّانِ

أينَ المفرُ بهذه الدنيا وإنْ = جاءَ الحسابُ وجيْءَ بالندمانِ ؟!(3)

طوبى لمَن صاغ الحروفَ نديَّةً = بالصِّدقِ تُروى اليومَ والإيمانِ

شعرًا ونثرًا في تصانيف الهدى = لم يرضَ بالتهريجِ والعصيانِ

هو موئلٌ في ظلِّ نفحِ عقيدةٍ = وترفُّ فيه حكايةٌ و معاني

لله لا للزيفِ والطاغوتِ كانَ . = . حداؤُنا والنَّبضُ في الشريانِ

وبخيره نشدو ليسعدَ عالَمٌ = يرضى بأهلِ الدِّينِ والوجدانِ

والنَّأي عن قبحِ الخصالِ حروفُنا = لم تأتِ بالإسفافِ كالصِّبيانِ

———————————- 

هوامش :

أقالَ: الإقالة في اللغة: الرفع والإزالة 

فحيح: الفحيح هو صوت الأفاعي والثعابين الصادر من فمها 

الندمان: ويومئذ لاينفع الندم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *