الأمة الثقافية

“أَرَى الموتَ لا يَرضَى سِوانا فَرِيسَةً”.. شعر: د. تميم البرغوثي

قِفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ

ولا تَخْذِلي مَنْ باتَ والدهرُ خاذِلُهْ..

الا وانجديني إنّني قَلَّ مُنجدي

بدمعٍ كريمٍ ما يُخيَّبُ زائلُهْ..

إذا ما عصاني كلُّ شيءٍ أطاعني

ولم يجرِ في مجرى الزمان يباخلُهْ..

بإحدى الرزايا ابكِ الرزايا جميعها

كذلك يدعو غائبُ الحزنِ ماثلُهْ..

إذا عجز الإنسانُ حتّى عن البُكا

فقد بات محسودا على الموت نائلُهْ..

وإنَّكَ بين اثنين فاختر ولا تكن

كمن أوقعته في الهلاك حبائلُهْ..

فمن آملٍ يفنى ليسلَمَ ربُّهُ

ومن آملٍ يبقى ليهلَكَ آملُهْ..

فكن قاتلَ الآمال أو كن قتيلها

تساوى الردى يا صاحبي وبدائلُهْ..

أَنَا عَالِمٌ بالحُزْنِ مُنْذُ طُفُولَتي

رفيقي فما أُخْطِيهِ حينَ أُقَابِلُهْ..

وإنَّ لَهُ كَفَّاً إذا ما أَرَاحَها

عَلَى جَبَلٍ ما قَامَ بالكَفِّ كَاهِلُهْ..

يُقَلِّبُني رأساً على عَقِبٍ بها

كما أَمْسَكَتْ سَاقَ الوَلِيدِ قَوَابِلُهْ..

وَيَحْمِلُني كالصَّقْرِ يَحْمِلُ صَيْدَهُ

وَيَعْلُو به فَوْقَ السَّحابِ يُطَاوِلُهْ..

فإنْ فَرَّ مِنْ مِخْلابِهِ طاحَ هَالِكاً

وإن ظَلَّ في مِخْلابِهِ فَهْوَ آكِلُهْ..

عَزَائي مِنَ الظُّلاَّمِ إنْ مِتُّ قَبْلَهُمْ

عُمُومُ المنايا مَا لها مَنْ تُجَامِلُهْ..

إذا أَقْصَدَ الموتُ القَتِيلَ فإنَّهُ

كَذَلِكَ مَا يَنْجُو مِنَ الموْتِ قاتلُهْ..

فَنَحْنُ ذُنُوبُ الموتِ وَهْيَ كَثِيرَةٌ

وَهُمْ حَسَنَاتُ الموْتِ حِينَ تُسَائِلُهْ..

يَقُومُ بها يَوْمَ الحِسابِ مُدَافِعاً

يَرُدُّ بها ذَمَّامَهُ وَيُجَادِلُهْ..

وَلكنَّ قَتْلَىً في بلادي كريمةً

سَتُبْقِيهِ مَفْقُودَ الجَوابِ يحاوِلُهْ..

ترى الطفلَ مِنْ تحت الجدارِ منادياً

أبي لا تَخَفْ والموتُ يَهْطُلُ وابِلُهْ..

وَوَالِدُهُ رُعْبَاً يُشِيرُ بَكَفِّهِ

وَتَعْجَزُ عَنْ رَدِّ الرَّصَاصِ أَنَامِلُهْ..

أَرَى اْبْنَ جَمَالٍ لم يُفِدْهُ جَمَالُهُ

وَمْنْذُ مَتَي تَحْمِي القَتِيلَ شَمَائِلُهْ..

عَلَى نَشْرَةِ الأخْبارِ في كلِّ لَيْلَةٍ

نَرَى مَوْتَنَا تَعْلُو وَتَهْوِي مَعَاوِلُهْ..

أَرَى الموْتَ لا يَرْضَى سِوانا فَرِيْسَةً

كَأَنَّا لَعَمْرِي أَهْلُهُ وَقَبَائِلُهْ..

لَنَا يَنْسجُ الأَكْفَانَ في كُلِّ لَيْلَةٍ

لِخَمْسِينَ عَامَاً مَا تَكِلُّ مَغَازِلُهْ..

وَقَتْلَى عَلَى شَطِّ العِرَاقِ كَأَنَّهُمْ

نُقُوشُ بِسَاطٍ دَقَّقَ الرَّسْمَ غَازِلُهْ..

يُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُوطَأُ بَعْدَها

وَيَحْرِفُ عُنْهُ عَيْنَهُ مُتَنَاوِلُهْ..

إِذَا ما أَضَعْنَا شَامَها وَعِراقَها

فَتِلْكَ مِنَ البَيْتِ الحَرَامِ مَدَاخِلُهْ..

أَرَى الدَّهْرَ لا يَرْضَى بِنَا حُلَفَاءَهُ

وَلَسْنَا مُطِيقِيهِ عَدُوَّاً نُصَاوِلُهْ..

فَهَلْ ثَمَّ مِنْ جِيلٍ سَيُقْبِلُ أَوْ مَضَى

يُبَادِلُنَا أَعْمَارَنا وَنُبَادِلُهْ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى