تقاريرسلايدر

إرث المسلمين الأوائل في أمريكا..العبودية إلى الحرية

منذ بدايات استكشاف القارة الأمريكية في القرن الـ16، ترك المسلمون بصماتهم في نسيجها الاجتماعي والثقافي. سواء كمستكشفين أو عبيد أفارقة أو مقاتلين في حرب الاستقلال الأمريكية (1775-1783)، ساهم المسلمون الأوائل في تشكيل تاريخ الولايات المتحدة. هذا التقرير يكشف عن إسهاماتهم المنسية، مع إضاءات جديدة على تجاربهم في سياق العبودية، الحرية الدينية، والاندماج.

مستكشفون مبكرون: مصطفى الأزموري وأوائل الرواد

في عام 1527، وصل مصطفى الأزموري، المعروف بـ”إستيفانيكو”، إلى أمريكا كجزء من بعثة إسبانية لاستعمار فلوريدا. يُعتبر هذا المسلم الأفريقي، الذي بيعه البرتغاليون لنبيل إسباني، أول مسلم وأول أفريقي يطأ “العالم الجديد”. نجا مصطفى من رحلة كارثية، وقاد جولات استكشافية في جنوب غرب أمريكا الحالية، بما في ذلك نيومكسيكو وأريزونا، قبل مقتله على يد قبائل الزوني حوالي 1539. بحسب دراسة لمؤرخ التاريخ الأفريقي سيلفيان ديوب، كان مصطفى يمتلك مهارات لغوية ودبلوماسية مكنته من التفاوض مع القبائل الأصلية، مما جعله رائدًا في التواصل بين الثقافات.

العبودية والمسلمون: هوية دينية تحت القمع

مع تصاعد تجارة الرقيق عبر الأطلسي في القرن الـ17، جُلب عشرات الآلاف من الأفارقة المسلمين إلى أمريكا كعبيد. تشير تقديرات المؤرخ مايكل جوماز في ورقته “المسلمون في أمريكا المبكرة” إلى أن ما بين 10% إلى 20% من العبيد الأفارقة في الأمريكتين كانوا مسلمين، أي حوالي 500 ألف إلى مليون شخص. هؤلاء، الذين جاءوا من مناطق مثل السينغال ومالي، كانوا غالبًا متعلمين، يتحدثون العربية، ويمتلكون خلفيات مهنية.

في مزارع الجنوب الأمريكي، تولى المسلمون المستعبدون أدوارًا مثل المحاسبة والإشراف، بفضل مهاراتهم في القراءة والكتابة. وثّق العديد منهم تجاربهم في مذكرات عربية، مثل سيرة عمر بن سعيد، وهو عالم مسلم من السينغال استُعبد في كارولاينا الشمالية، وكتب سيرته الذاتية بالعربية عام 1831، مشتملة على آيات قرآنية تدعو للحرية. لكن القمع الديني أجبر الكثيرين على اعتناق المسيحية أو إخفاء معتقداتهم، مما أدى إلى تراجع الوجود الإسلامي الواضح بحلول القرن الـ19.

مقاتلون من أجل الحرية: المسلمون في حرب الاستقلال

خلال حرب الاستقلال الأمريكية، شارك مسلمون أفارقة في القتال ضد الحكم البريطاني. تُظهر السجلات العسكرية أسماء مثل بامبيت محمد ويوسف بن علي (جوزيف بنهالي)، وهما جنديان خدموا في الجيش القاري. كما يُشار إلى سالم بور، الذي قاتل في معركة بانكر هيل عام 1775، كمثال على الشجاعة الإسلامية في ساحات المعركة. هؤلاء المقاتلون، رغم كونهم مستعبدين أو محررين، ساهموا في تشكيل الأمة الناشئة.

وفقًا لتقرير حديث من المتحف الوطني للتاريخ الأمريكي الأفريقي (2024)، كان بعض هؤلاء الجنود يحافظون على ممارساتهم الإسلامية سرًا، مثل الصلاة والصيام، رغم التحديات. هذه القصص تُبرز تنوع الجيش الأمريكي المبكر وتؤكد مساهمة المسلمين في النضال من أجل الحرية.

الآباء المؤسسون والإسلام: رؤية للحرية الدينية

كان الآباء المؤسسون لأمريكا، مثل توماس جيفرسون، على دراية بوجود المسلمين. امتلك جيفرسون نسخة من القرآن الكريم، واستخدمها لدراسة الشريعة الإسلامية، كما أشار إلى الإسلام في كتاباته عن الحرية الدينية. في مناقشات قانون ولاية فرجينيا للحرية الدينية (1786)، دافع جيفرسون عن حقوق “المحمديين” (المسلمين) واليهود وغيرهم، لكنه واجه معارضة أدت إلى تعديل القانون لاستبعاد الإشارات إلى الديانات غير المسيحية.

على الرغم من هذه الرؤية التقدمية، استمر استعباد المسلمين الأفارقة. في تقرير نشرته مكتبة الكونغرس عام 2023، وُثّق أن بعض المسلمين المستعبدين استخدموا معرفتهم بالقرآن للدفاع عن حقوقهم، مما ساهم في حركات إلغاء العبودية لاحقًا.

موجة الهجرة الجديدة: تحديات الاندماج

في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، وصلت موجة جديدة من المهاجرين المسلمين من الشرق الأوسط، جنوب آسيا، وأوروبا الشرقية، مدفوعين بفرص الثورة الصناعية. بحسب دراسة للمؤرخ غان باسيري في كتابه “تاريخ الإسلام في أمريكا” (2022)، واجه هؤلاء المهاجرون تمييزًا عنصريًا ودينيًا، حيث أُجبروا أحيانًا على إخفاء هويتهم الإسلامية. على سبيل المثال، وثّقت روايات من نيويورك عام 1905 حالات اعتداء على مسلمين أثناء الصلاة.

ومع ذلك، بدأ المسلمون في تأسيس مجتمعاتهم، مثل أول مسجد مؤقت في ديترويت عام 1921. في تحديث حديث، أشار تقرير لمركز بيو للأبحاث (2025) إلى أن هذه المجتمعات المبكرة وضعت الأساس للتنظيم الإسلامي في أمريكا، مما أدى إلى إنشاء مؤسسات مثل الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية في منتصف القرن الـ20.

إرث دائم وتحديات مستمرة

يُظهر تاريخ المسلمين الأوائل في أمريكا دورهم الحاسم كمستكشفين، مقاتلين، وناشطين في مواجهة العبودية والتمييز. من مصطفى الأزموري إلى عمر بن سعيد، شكّلوا جزءًا لا يتجزأ من القصة الأمريكية. مع استمرار اكتشاف وثائق جديدة، كما أشار تقرير للمتحف الوطني للتاريخ الأمريكي الأفريقي (2024)، يتضح أن إسهاماتهم تمتد إلى ما هو أبعد من الروايات التقليدية. اليوم، يواصل المسلمون في أمريكا بناء مجتمعاتهم، مستلهمين إرث أسلافهم في النضال من أجل الحرية والعدالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى