إزاء الحركات الإسلامية.. أين وفيم تلتقي الأنظمة العربية وأمريكا المتصهينة وأتباعهما الخونة؟
إضاءات منهجية قرآنية حضارية سياسية

مضر أبو الهيجاء
لا شك بأن حركة حماس -كما حركتي فتح والجهاد وغيرهما- قد أخطأت في بعض قراراتها نتيجة قصور في تصوراتها وخلل في تحالفاتها، كما جاوزت الحد واستمرأت الخطأ نتيجة غياب أو ضعف دور العلماء ورثة الأنبياء في تبيين الحق دون مواربة، وهو ما يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني وقضيته اليوم على حد سواء.
الناس تجاه حركة حماس صنفان:
الأول: صنف ناصح لها مشفق عليها، ينطلق من رابطة الأخوة الإيمانية، ويؤمن بوجوب النصح، ويتحمل في هذا الطريق تبعات بيان الحق وتبيينه للناس والمنافحة عنه، كما يميز بين التبرؤ من الأفراد والجماعات، والتبرؤ من المناهج والسلوكيات والقرارات، ومثال ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.
الثاني: صنف كاره لكل رسالة واجبة وفضيلة، ومتنكر لكل دعوة تستهدف تغيير واقع الحياة، وساع للركون لهذه الدنيا، مستمسك بالباطل موال لأهله، وبعيد عن الحق متبرئ من أوليائه.
إن دعوة بعض شياطين الإنس للتبرؤ من حركة حماس -أو أي جماعة إسلامية دعوية إصلاحية سياسية- هي دعوة منكرة، تنطلق من رفض الحق الكامل، والتمسك بالشكل دون الجوهر، ولا شك بأن الرياح التي تحاصر حركات الإخوان المسلمين اليوم، ليس مقصودها الإخوان بقدر استهدافها محاصرة الاسلام والنيل من المسلمين واضعافهم في كل ناحية، وخنقهم في كل زاوية.
ومما لا شك فيه أن الذي يجمع الصهاينة المحتلين مع الأنظمة العربية وأبواقهما تجاه حركة حماس، هو رفض هؤلاء لجوانب الحق التي عند حركة حماس، وليس امتعاضهم من جوانب الخطأ التي استفحلت في المنهج السياسي أو الاجتماعي أو القتالي لدى الحركة!
ومع فارق التشبيه بين مقام النبوة ومقام الصحابة رضوان الله عليهم مع مقامنا نحن اليوم، فإن عتاب الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سورة عبس لم يقلل من وجوب حبه واشتراطه لدخول الجنة، كما أن العتاب والنصح والتقريع المبثوث في آيات القرآن الحكيم للصحابة -المعدلين بنص القرآن الكريم- لم يقلل من قدرهم ولا وجوب اتباعهم.
ومن باب الفائدة في سياق العرض والنقد القرآني نشير إلى فائدتين:
الفائدة الأولى:
إن هناك فرقا جوهريا بين خطأ الصحابة في أحد وخطأ حركة حماس في غزة، وهو أن غزوة أحد شهدت خطأ بين الجند والقواعد وليس القادة، ولكن مصاب فلسطين في رأس وقادة حركاتها المقاومة، سواء الوطنية منها أم الإسلامية.
الفائدة الثانية:
يقول سبحانه وتعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ}. الأنعام:90
لقد نزلت الآيات بتوجيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم لاتباع هدى الأنبياء، ورغم عصمتهم إلا أن الله سبحانه وتعالى لم يقل لنبيه الكريم فبهم اقتده، بل بهداهم الموافق للحق اقتده.
فإذا كان النبي المعصوم موجها من قبل الله جل جلاله لاتباع هدي الأنبياء، فكيف يتم توجيه شباب الحركات الإسلامية وقواعدها للاقتداء بالقادة دون التوقف أمام الهدى في مواقفهم وخطواتهم؟
أعود فأقول نعم إن حركة حماس -كغيرها من الحركات الإسلامية- قد أخطأت في تصورها المنهجي وقرارها العسكري وخطواتها السياسية وسلوكها المجتمعي، والنصح والعتاب والتقريع في حقها واجب على أولي الألباب والنهى، ولكن الدعوة للتبرؤ منها دعوة باطلة منكرة، لاسيما وهي تخفي خلفها التبرؤ منها بسبب جوانب الحق والخير التي لديها، وليس بسبب جوانب الخطأ التي ارتكبتها، أو التصورات الباطلة التي تبنتها.
إن الفرق كبير وشاسع بين أصحاب اللحى من الذين يرتبطون بالأنظمة العربية وأجهزتها الاستخباراتية، فيصوغون للناس دينا جديدا في ثوب مكي أو مدني، وبين أصحاب التقى والنهى والعقول الراشدة الذين يحركهم دين الله وواجب حفظه، وتحركهم مصالح المسلمين ووجوب رعايتها لتتحقق عمارة الأرض، حتى يغرس آخر مسلم الفسيلة التي بيده رغم قيام القيامة، وإذا كان محرك الصنف الأول هو الخوف من شياطين الإنس والحكومات، فإن باعث الصنف الثاني هو إيمانه، وأما الخوف الذي في قلبه فهو الخشية التي تضبط مده وجزه ليستحق أن يكون من العلماء الذين يخشون الله.
والسؤال يقول:
كيف نميز بين أصحاب اللحى من أتباع الشياطين وأولياء الرحمن المتقين؟
بكل بساطة، دعك من موقف الداعية والشيخ والقيادة تجاه الحركة أو النظام أو الجماعة والتنظيم، واذهب مباشرة للتوصيف!
فإن وقفت على توافق أو تناقض في الموقف عند أصحاب اللحى، فهذا لن يعطيك حكما واضحا بيقين، ولكن اذهب لتوصيفهم للجماعات والحكومات والأنظمة، حينها ستعلم الفرق بيقين، فليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه، واتق الله بالمعنى القرآني الشامل والعميق، فسيعلمك الله ولن يضيعك.