إسرائيل وإيران.. هل تسعى تل أبيب فعلاً لإسقاط نظام الملالي
في تصعيد غير مسبوق، نفّذت إسرائيل سلسلة ضربات جوية داخل الأراضي الإيرانية، استهدفت أكثر من 150 موقعًا، شملت منشآت نووية ومقار عسكرية ومراكز قيادية، وأسفرت عن مقتل عدد من كبار قادة الجيش والحرس الثوري. وتُعد هذه الهجمات الأوسع من نوعها على إيران، في مؤشر على أن أهداف إسرائيل قد تتجاوز بكثير مجرد تعطيل البرنامج النووي الإيراني.
ما وراء النووي.. إسقاط النظام؟
رغم أن الهدف المُعلن للعملية هو إبطاء وتيرة البرنامج النووي الإيراني ومنع طهران من امتلاك سلاح نووي، فإن التحليل الاستراتيجي للهجمات يثير تساؤلات أوسع:
هل تطمح إسرائيل فعليًا إلى إسقاط النظام الإيراني؟
تصريحات رسمية وتحليلات خبراء ترجّح هذا الاحتمال. فقد شملت الضربات شخصيات بارزة في القيادة العسكرية والعلمية، ما يُفهم على أنه مسعى مباشر لإضعاف بُنية النظام وتقويض استقراره من الداخل، وليس فقط تدمير بنيته النووية.
مايكل سينغ، الباحث في معهد واشنطن والمسؤول السابق في إدارة الرئيس بوش، يرى أن الهجوم يحمل بين طياته رسالة سياسية تستهدف زعزعة ثقة الإيرانيين في قيادتهم. ويقول: “يبدو أن إسرائيل لا تكتفي بتقويض برنامج إيران النووي، بل تأمل في أن يتحرك الشارع الإيراني لتغيير النظام”.
نتنياهو يوجه خطابه للشعب الإيراني
في كلمة مصوّرة، خاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإيرانيين مباشرة، قائلاً إن النظام الإسلامي الذي يحكمهم منذ نحو نصف قرن يهدد وجود إسرائيل. وأضاف: “نحن نزيل هذا التهديد وفي الوقت ذاته نمهد الطريق لحريتكم”، داعيًا الإيرانيين إلى استغلال اللحظة والانتفاض في وجه قيادتهم.
أهداف أبعد من القنبلة
العملية الإسرائيلية لم تقتصر على منشآت نووية؛ فقد استهدفت أيضاً مراكز تخصيب اليورانيوم ونظم الدفاع الجوي، بالإضافة إلى اغتيال علماء نوويين وقادة كبار. وقالت السفارة الإسرائيلية في واشنطن إن “مستقبل إيران يجب أن يقرره شعبها”، وهي رسالة تُقرأ باعتبارها تلميحًا إلى دعم ضمني لتغيير النظام، دون تبني سياسة تدخل مباشر في شؤونه الداخلية.
الموقف الأميركي.. دعم محدود وتحفظ استراتيجي
الولايات المتحدة، رغم سماحها بالهجوم الإسرائيلي ومساعدتها في صدّ الرد الإيراني، لم تُبدِ نية في السعي لتغيير النظام. البيت الأبيض التزم الصمت حتى الآن، ولم تصدر عنه تصريحات تؤيد إسقاط القيادة الإيرانية.
الضربة الأولى.. بداية عملية طويلة
ترى إسرائيل أن الهجوم الذي وقع ليس نهاية المطاف، بل مرحلة أولى من “عملية ممتدة”، تهدف إلى تأخير أو شل قدرة إيران على تطوير سلاح نووي. ولكن، حتى داخل الأوساط الإسرائيلية، هناك اعتراف محدود بقدرة إسرائيل على إنجاز هذا الهدف بمفردها.
تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، صرّح أن “الوسائل العسكرية لا تكفي لتدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل”، مشيرًا إلى أن العمليات قد تهيئ بيئة سياسية تتيح التفاوض على اتفاق جديد.
النظام الإيراني.. هل اهتز فعلاً؟
الضربات وجهت صفعة قوية للمؤسسة الأمنية الإيرانية، لكن إسقاط النظام ليس بالأمر اليسير. فالمعارضة في الداخل غير موحدة، وقوى الأمن لا تزال ولاؤها راسخًا للنظام. وتحذّر شخصيات استخباراتية من أن البديل المحتمل قد يكون أكثر تطرفًا وعداءً لإسرائيل.
سيما شاين، المحللة في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، قالت إن الضربات طالت “عناصر أساسية في استقرار النظام”، لكنها أقرت بأن تغيير النظام “يبقى سيناريو مثاليًا، لا أكثر”.
أما جوناثان بانيكوف، نائب مسؤول المخابرات الوطنية الأميركية سابقًا، فاعتبر أن “إزاحة النظام الإيراني لا تعني بالضرورة بزوغ فجر جديد… فالتاريخ علمنا أن الأسوأ ممكن دائمًا”.
خلاصة التقرير:
بينما يبدو أن الهدف المباشر لإسرائيل هو شلّ البرنامج النووي الإيراني، فإن حجم الضربات، وانتقائية الأهداف، والرسائل العلنية من قادتها، كلها تشير إلى طموح يتجاوز القنبلة — طموح قد يصل حدّ الرغبة في إسقاط النظام الإيراني، أو على الأقل تمهيد الطريق لضعفه من الداخل.
هل تحقق هذه الضربات هذا الهدف؟ أم أن الرد الإيراني المقبل سيقلب الطاولة؟ الأيام القادمة ستكشف ما إذا كانت إسرائيل قد فتحت باب التغيير… أم فتحت أبواب صراع مفتوح بلا نهاية.