إطلاق الدورة التأسيسية لجائزة المجمع الجزائري للغة العربية
اتفق المحاضرون في الندوة العلمية “المصطلح في اللغة العربية بين جهود القدماء والمحدثين” التي نظمها مؤخرا المجمع الجزائري للغة العربية بمناسبة الاحتفال بيوم العلم، على ارتباط شيوع المصطلح باللغة المنتجة التابع لها. بيد أن اللغة المستهلكة تجد صعوبات في نشر مصطلحاتها، وهو ما تعاني منه اللغة العربية. بالمقابل، تم على هامش الندوة، الإعلان عن جائزة المجمع لسنة 2024م، والتي حدد مبلغها بمليون دينار جزائري.
قال البروفسور الشريف مريبعي، رئيس المجمع الجزائري للغة العربية خلال كلمته الافتتاحية للندوة، إن اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة في مجال المصطلحات العلمية؛ بسبب التغيير التكنلوجي السريع، مطالبا بأن تتكيف اللغة العربية مع المصطلحات الجديدة التي تظهر في كل المجالات.
وأضاف أن من أهم أسباب هذه الفجوة المصطلحية التي تعاني منها لغتنا، التأخر الكبير في ترجمة المصطلحات العلمية الجديدة إلى اللغة العربية؛ ما يؤدي إلى فقدانها المصطلحات الحديثة، واستخدام المصطلحات الأجنبية بدلا منها، مشيرا إلى الجهود التي تقوم بها بعض الأطراف في سد الثغرات والتي تبقى غير كافية بفعل عدم التنسيق بينها وكثرة مبادراتها، وكذا شيوع الشوفينية الضيقة لدى بعض الأفراد، ليؤدي ذلك إلى إحداث فوضى عارمة في المصطلح.
ودعا البرفيسور إلى توحيد المصطلحات العلمية في اللغة العربية؛ ما يساهم في تحقيق الوضوح والدقة في التواصل، بالإضافة إلى تسهيل عملية الترجمة والتواصل مع المجتمع العلمي العالمي، وتعزيز تطوير قاعدة المعرفة العلمية في اللغة العربية وغيرها.
جائزة المجمع بمليون دينار
بالمقابل، أعلن مريبعي عن إطلاق الدورة التأسيسية لجائزة المجمع الجزائري للغة العربية؛ تشجيعا للدراسات والأبحاث في علوم اللغة العربية، وسعيا لخدمة اللغة العربية، والمساهمة في نشرها واستعمالها.
وهكذا ستُمنح للفائز الأول جائزة مالية تقدر بخمسين مليون سنتيم، في حين يظفر الفائز الثاني بثلاثين مليون سنتيم، والثالث بعشرين مليون سنتيم، تسلَّم جميعها خلال انعقاد المؤتمر السنوي للمجمع.
مشكلة مضخّمة
للإشارة، عرفت الندوة العلمية تقديم ست مداخلات، من بينها ورقات أكد فيها الباحثون على ارتباط مشكلة المصطلح العربي بندرة الإنتاج العلمي بلغة الضاد، والبداية بالدكتور محمد صاري الذي قدم مداخلة بعنوان: “توحيد المصطلح العلمي واللساني على الخصوص ..المشكل غير المشكل”، ذكر فيها أن قضية المصطلح العلمي، واللساني على وجه الخصوص، مضخّمة، وطرحها فيه مبالغة. وقد آن الأوان لأن يغلَق البحث في مثل هكذا موضوعات؛ لأنه حلقة مفرغة لا تؤدي إلى نتيجة.
ويرى أن مشكلة المصطلح تتمثل في قلة استعماله؛ ما يعرضه للانقراض، بينما تحيا هذه الكلمات من خلال كثرة استعمالها، مشيرا الى أهمية أن تحل هذه المعضلة على المستوى التقني والرقمي وليس في الإطار اللساني.
وأضاف أن من الصعب الحديث عن إصلاح لغوي في غياب المنظومات الرقمية والإعلامية، وبالأخص التربوية التعليمية، التي هي بحاجة الى قرارات وظيفية. كما تحدّث عن وجود تفاوت بين اللغات؛ أي ما بين لغة منتجة وأخرى مستهلكة، مؤكدا قوة الأولى في فتح أبوابها أمام مصطلحات قادمة من لغات أخرى، كما هي حال اللغة الإنجليزية، لينتقل الى أهمية إنجاز الذخيرة العربية التي تسهل من مهام المختصين في اللغة، وتمكّنهم من معرفة مدى شيوع مصطلح معيّن أو ندرته.
بدوره، ألقى الدكتور حميدي بن يوسف مداخلة موسومة بـ “اللغة العربية والاقتصاد اللغوي: رؤية تداولية في الاختصار المصطلحي” ، أكد فيها توفر اللغة على خصائص اقتصادية كثيرة، وعليه يحسن بالمستعملين استثمار هذه الخصائص. كما يجدر التنبيه إلى أن التركيز على البعد التداولي وحده الذي يروم البحث عن المقاصد أثناء التواصل بالعربية دون اعتبار للنظام، يجعل من اللغة فاقدة الخاصية الاقتصادية ذات البعد الزماني (التاريخي)؛ فاحترام النظام اللغوي في مختلف مستوياته، هو الذي يجعل اللغة متنامية عبر العصور تناميا يصل فيها القديم بالجديد.
ويرى الدكتور أن كثيرا من مظاهر الاختزال المصطلحي النحتي التي لا تتوافق مع النمط التصريفي للذات، تُعد بالنسبة للعربية إجراء اختصاريا غير اقتصادي، لا يأخذ إلا ببعد تواصلي واحد هو الآني. كما إن التعامل مع المصطلحات المختصرة وترجمتها ينبغي ألا يكون وفق نظرة لحظية آنية بغرض حل مشكل لحظي، وإنما ينبغي أن يراعَى فيه البعد الزماني للغة، إضافة إلى خصوصياتها البنوية، علاوة على ضرورة الإقرار بأن مشكلات ترجمة المصطلحات المختصرة إلى العربية، ليست سوى انعكاس للمشكلات الخاصة بضعف الإنتاج العلمي للغة، والاعتماد على الاستيراد والتلقي المعرفي.
دعوة إلى توحيد صفوف العرب
أما الدكتور عمر لحسن، فقد قدّم في ورقته “المصطلحات الحضارية في اللغة العربية”، معلومات حول وضع اللغة العربية في العصر العباسي الذي كان مهمّا؛ باعتبار أن الأمة المسلمة كانت تنتج فكرا وعلما. وقد تحوّل استعمال بعض الكلمات الى معان جديدة، علاوة على استعمالها كلمات دخيلة، والاشتقاق منها أيضا، في حين أن الأمة العربية تواجه اليوم مشكلة حضارية من خلال استهلاكها منتجات الأمم الأخرى؛ ما يجبرها على الترجمة لإيجاد مصطلحات مناسبة، ليدعو الى توحيد صفوف العرب، والتفتح على الآخر مع المحافظة على الأصالة وديننا الإسلامي.
في إطار آخر، قدمت الدكتورتان صونية بكال وفوزية عزوز، مداخلة تحت عنوان: “المصطلح العلمي في اللغة العربية: مشكلة وضع أم استعمال؟”، جاء فيها أن المجامع والمؤسسات سارت وفق مبادئ علم المصطلح التقليدي. كما تميزت الجهود العربية بغياب التراكم المعرفي؛ إذ ينطلق كل معجم من الصفر، علاوة على أن خدمة اللغة العربية تحتاج بالموازاة مع وضع المصطلحات، إلى التفكير في كيفية نشرها وخلق فضاءات الاستعمال؛ لأن الاستعمال الواسع هو الذي سيوحد المصطلحات.
مشروع واعد
أما الدكتورة جهاد براهيمي فقد تطرقت في مداخلتها “تجربة إنشاء معجم رقمي انطلاقا من مدون نصية” ، إلى مشروع إنجاز معجم إلكتروني بثلاث لغات على مستوى جامعة الجزائر2، يشرف عليه فريقان؛ الأول لساني، والثاني تقني، مشيرة إلى أهمية وجود معاجم إلكترونية متخصصة، يمكن إضفاء المعلومات عليها بسهولة وبسرعة، خاصة أنها غير مكلفة، وتوفر الجهد، علاوة على إمكانية تزويدها بخاصية التفاعل.
توظيف نتائج البحث المصطلحيّ الترجمي
بدورها، قالت الدكتورة سعيدة كحيل في مداخلتها “قضايا راهنة لاستعمال المصطلح المترجم في اللغة العربية”، إن المصطلح المترجم ومنه الترجمي، إما أن نجده بقوة في حقول معرفية سابقة النشأة، وعلى المترجم أن يكيّف التعامل به ويصنع خصوصيته في حقله الجديد، وإما أن يكون موجودا بالفعل، فيتبين مفهومه في اللغة المترجم منها، وبمساعدة خصائص لغته وتقنياتها، يجد له مقابلا في اللغة المترجم إليها.
وأضافت: ” حين ينعدم وجود المصطلح العربي ينشط العمل الجماعي للترجمة المصطلحية في تمثل المفاهيم، وصناعة التصورات، وصياغة المصطلحات وفق آليات تقوم على الاستعمال، لتطالب بتوظيف نتائج البحث المصطلحي الترجمي في الدراسات والبحوث الأكاديمية، والإنتاج المؤسساتي، ومتون التعليم، وفضاءات الإعلام والسياسة باللغة العربية؛ من أجل تحميله القيمة المضافة مفهوميا ومعرفيا عبر الأجيال.
المصدر: المساء الجزائرية