أعلنت جاكرتا اليوم الإثنين عن حزمة خطوات تعيد ترتيب واحد من أكثر قطاعاتها الإستراتيجية حساسية: المعادن الحرجة والفحم.
على مسارين متوازيين—مؤسسي وتنظيمي—تم تأسيس وكالة جديدة للصناعة المعدنية تتولى الإشراف على تطوير عناصر الأرض النادرة والمواد المشعّة، بالتزامن مع إلغاء شرط الالتزام بالأسعار المرجعية الحكومية كحد أدنى لبيع المعادن والفحم.
هذان القراران يرسلان إشارة واضحة بأن إندونيسيا تريد تسريع التصنيع المحلي وتعظيم عوائدها من الموارد، مع قدر أكبر من المرونة التجارية وفق رويترز.
أولًا: وكالة للصناعة المعدنية.. ذراع سيادي للمعادن الإستراتيجية
بموجب قرار رئاسي، أسس الرئيس برابوو سوببيانتو وكالة تتولى “إدارة الصناعة المرتبطة بالمواد الإستراتيجية اللازمة لقطاع الدفاع”،
وعُيّن وزير التعليم العالي برايان يوليارتو رئيسًا لها. الوكالة ستنسّق البحث والتطوير، وتضع الأطر للمعادن الحساسة من العناصر الأرضية النادرة إلى المواد ذات الطابع الإشعاعي—بما يعزّز السيادة الاقتصادية وقدرات الصناعات الدفاعية.
كما لفت يوليارتو إلى إمكان استخلاص بعض المعادن النادرة كمنتجات جانبية من سلاسل النيكل والقصدير (مثل معادن المونازيت في خامات القصدير)، وهو ما يدعم تعميق التصنيع محليًا بدل تصدير الخامات الأولية.
هذا الترتيب المؤسسي يجيء متسقًا مع حقيقة أن البلاد أحد أكبر منتجي النيكل والقصدير عالميًا، وبما يمكّنها من التحول من مُصدّر للمواد الخام إلى مُصنِّع لمدخلات سلاسل القيمة في الطاقة النظيفة والإلكترونيات والدفاع.
الرسالة هنا مزدوجة: ضبطٌ سيادي لسلسلة الإمداد من المنجم إلى المصنع، وتوجيهٌ استثماري نحو القطاعات الأعلى قيمة مضافة.
ثانيًا: تحرير تسعير المبيعات… مرونة تجارية مع بقاء وعاء الضرائب
على الضفة التنظيمية، ألغت وزارة التعدين شرط استخدام السعر الحكومي المرجعي (HBA ونظائره) كحد أدنى للبيع في معاملات المعادن والفحم. النتيجة: يحقّ للمُنتجين البيع بأسعار أقل أو أعلى حسب ظروف السوق.
لكن الضرائب والإتاوات ستظل تُحتسب على السعر الرسمي كما هو. القرار يأتي بعد شكاوى من أن الأسعار المرجعية متباعدة التحديث ومكلفة وأقل شفافية لبعض الصفقات مقارنة بمؤشرات سوقية مثل Indonesian Coal Index.
كما يشمل الإطار معادن رئيسية إلى جانب الفحم، مثل النيكل والنحاس والقصدير والكوبالت والبوكسايت.
وتجدر الإشارة إلى أن صادرات الفحم الحراري ارتفعت في النصف الأول من العام إلى نحو 238 مليون طن (+20%)، ما يعكس دينامية الطلب التي تريد جاكرتا الاستفادة منها بمرونة أكبر.
ما الذي يتغيّر فعليًا؟
للدولة: إنشاء الوكالة يمنح الحكومة لوحة تحكم موحّدة بالمعادن الحساسة المتداخلة مع الدفاع والتكنولوجيا، بينما يبقي قرار التسعير على قبضتها الضريبية حتى مع تحرير الأسعار.
للشركات: مرونة أكبر في التفاوض وإبرام العقود—خاصة طويلة الأجل—وتقليل مخاطر فجوة السعر المرجعي عن السعر الفعلي، مع حافز أقوى للاستثمار في المعالجات الوسيطة والمتقدمة داخل إندونيسيا.
للسوق العالمية: دخول إندونيسيا بثقل مؤسسي في العناصر الأرضية النادرة قد يعيد توزيع سلاسل الإمداد خارج مراكز تقليدية، فيما قد يؤثر تحرير التسعير على مؤشرات آسيا للفحم والمعادن عبر أحجام عقود وتسويات أكثر تنوعًا.
الفرص والتحديات
الفرصة الكبرى تكمن في الربط بين البحث والتصنيع: تحويل “نفايات” معالجة القصدير والنيكل إلى مدخلات لصناعات مغناطيسات دائمة ومحركات وسيليكات متقدمة،
بما يرفع القيمة المضافة ويخلق وظائف نوعية. التحدي بالمقابل هو حوكمة بيئية صارمة، وتفادي ازدواجية الاختصاص بين الوكالة الجديدة والوزارات القائمة، وضمان ألا يؤدي تحرير الأسعار إلى سباقات خصم تضر بالمنتجين الأصغر أو بعقود الإمداد المحلية.
هنا سيكون اختبار السياسة هو مواءمة المرونة التجارية مع صلابة المعايير البيئية والعمالية، وحماية الإيرادات العامة عبر آليات تحصيل ضريبية دقيقة.
والخلاصة بتأسيس وكالة للصناعة المعدنية وتحرير تسعير مبيعات المعادن والفحم، تُطلق إندونيسيا مرحلة إعادة تموضع: سيادة أكبر على المواد الإستراتيجية التي تغذّي الدفاع والانتقال الطاقي، مع بيئة تداول أكثر مرونة تجذب استثمارات المصافي والمصانع.
النجاح سيتوقف على قدرة جاكرتا على تطبيق هذا التصميم المؤسسي والتنظيمي بصرامة، من دون التفريط بالاستدامة والعدالة الضريبية، ومع إبقاء بوصلة السياسة متجهة نحو التصنيع المحلي لا مجرد توسعة الصادرات الخام.