خيّم الهدوء على شوارع العاصمة الإندونيسية صباح الجمعة، تزامنًا مع احتفالات البلاد بعيد المولد النبوي الشريف، بعد أكثر من أسبوع من الاحتجاجات الشعبية التي اتسمت بالعنف أحيانًا، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى واعتقالات واسعة.
خلفية الاحتجاجات
واندلعت الاحتجاجات في جاكرتا وعدة مدن إندونيسية أخرى الأسبوع الماضي، بعدما أثار استياءً شعبيًا الإعلان عن بدلات سكن كبيرة يحصل عليها أعضاء البرلمان.
وقادت المظاهرات جماعات طلابية وعمالية ومنظمات حقوقية، في وقت شهدت البلاد توترًا متصاعدًا إثر مقتل سائق دراجة نارية أجرة بعدما صدمته سيارة شرطة خلال إحدى المسيرات.
مطالب المحتجين وتوتر مع السلطات
وطالب المحتجون الحكومة بمراجعة الامتيازات المالية الممنوحة للنواب، ووقف ممارسات الشرطة العنيفة ضد المتظاهرين. وخلال الأسبوع، عقد ممثلو الطلاب لقاءات مع وزراء في الحكومة وبعض البرلمانيين، إلا أنهم لم ينجحوا حتى الآن في ترتيب اجتماع مع الرئيس برابوو سوبيانتو لعرض مطالبهم مباشرة.
حصيلة الضحايا والاعتقالات
ووفقًا لمنظمات حقوقية محلية ودولية، فقد قُتل ما لا يقل عن 10 أشخاص، وأصيب أكثر من 1000 آخرين بجروح متفاوتة، خلال الاشتباكات مع قوات الأمن والتظاهرات التي اجتاحت البلاد.
كما أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش، ومقرها نيويورك، أن السلطات الإندونيسية اعتقلت أكثر من 3000 شخص في إطار حملة قمع واسعة ضد الاحتجاجات.
مخاوف حقوقية ورسائل دولية
وأعربت جماعات حقوقية عن قلقها من تصاعد الانتهاكات الأمنية، مطالبة الحكومة الإندونيسية باحترام الحق في التظاهر السلمي وفتح قنوات حوار مباشرة مع المحتجين، لتجنب تفاقم الأزمة.
كما حذّر مراقبون من أن استمرار التوتر قد يؤثر على الاستقرار السياسي في البلاد، خصوصًا مع دخول الحكومة مرحلة حساسة تتعلق بإصلاحات اقتصادية واجتماعية.
هدوء مؤقت أم بداية لانفراج؟
ورغم عودة الهدوء إلى شوارع العاصمة يوم الجمعة، يرى مراقبون أن الأزمة لم تُحسم بعد، وأن غضب الشارع قد يتجدد إذا لم تستجب الحكومة لمطالب المحتجين وتضع حدًا لممارسات العنف الأمني.
موقف الحكومة والبرلمان من الأزمة
في مواجهة هذا الغضب الشعبي المتصاعد، سعت الحكومة الإندونيسية إلى تهدئة الأوضاع عبر القنوات الرسمية، حيث صرّح عدد من الوزراء بأنهم يتفهمون مطالب الطلاب والعمال، مؤكدين في الوقت ذاته أن الامتيازات التي يحصل عليها النواب تخضع للقوانين المنظمة لعمل البرلمان، وليست منحة شخصية يمكن إلغاؤها بقرار سريع. وأوضحت الحكومة أن معالجة هذه القضية تتطلب مراجعة شاملة للنظام التشريعي والمالي، وهو ما يستلزم وقتًا وتوافقًا سياسيًا واسعًا.
أما البرلمان، فقد أبدى بعض أعضائه استعدادهم لمناقشة المقترحات المتعلقة بتقليص بدلات السكن، معتبرين أن الشفافية في إدارة الأموال العامة ضرورية للحفاظ على ثقة المواطنين. لكن أصواتًا أخرى داخل البرلمان رأت أن هذه الامتيازات ضرورية لتأمين استقلالية النواب وضمان عدم خضوعهم لضغوط خارجية. هذا التباين في المواقف بين الكتل السياسية أضعف من قدرة المؤسسة التشريعية على تقديم رد فعل موحّد يُرضي الشارع.
وبينما يؤكد المسؤولون أن الحكومة ملتزمة بإجراء حوار مفتوح مع ممثلي المتظاهرين، يرى مراقبون أن هذه التصريحات لا تكفي لامتصاص الغضب الشعبي، خاصة بعد سقوط ضحايا وارتفاع أعداد المعتقلين
. ويرى البعض أن الحكومة تراهن على عامل الوقت وعودة الهدوء تدريجيًا، فيما يعتقد آخرون أن الأزمة قد تتحول إلى حركة احتجاجية أوسع نطاقًا إذا لم يُتخذ قرار سياسي جريء يلبي المطالب الأساسية للمتظاهرين.