الأحد مايو 19, 2024
أقلام حرة

إياد العطية يكتب: أصل الصراع ومصيره

أصل الصراع:

لا شك في أن صراع الأمة مع أعدائها صراع متصل غير منقطع، منذ أن دخلت دولة الإسلام دائرة الصراع وأصبحت لاعبًا رئيساً فيه، بعد أن كانت على هامشه، وخارج دائرته، لقد كانت الإمبراطورية الرومانية مع الإمبراطورية الفارسية متفردات في تقاسم نفوذ الأرض، ومتحكمات بمصير من كان تحت حكمهما من العرب، خاصة في منطقة الجزيرة والعراق والشام واليمن.

لم يكن على الأرض آنذاك قوة تستطيع أن تقف في وجه هذه الامبراطوريات المتناحرة على النفوذ، والتي تمثل دائرة الصراع العالمي على السلطة آنذاك، وقد جرت بينهما حروب طاحنة امتدت لفترات طويلة، قد ذكر الله ﷻ جانبًا منها في سورة الروم، قال جل شأنه: «غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين…»

وهي إشارة للحرب التي خسرتها الروم مقابل الفرس في الشام، وإخبارًا عن مستقبل الصراع خلال العشر السنوات التي تلت تلك الحرب، والتي هُزم فيها الفرس أمام الروم، «وهم من بعد غلبهم سيغلبون»

وفور دخول الأمة الإسلامية ساحة التأثير، بدأ شكل الصراع العالمي على الأرض يأخذ منحىً آخر، فبعد أن كان هنالك قطبان متناحران يتقاتلان للسيطرة على الأرض، دخل عنصر ثالث قوي يهدد وجود هاتين القوتين، ويُنذر بإنهاء سيطرتهم على الأرض، وتحرير البلاد والعباد من طغيانهم وظلمهم.

نعم.. في هذه الفترة الزمنية الفارقة من حياة الأمة، تغيّر فيها مسار التاريخ، وتغير فيها شكل الصراع العالمي، وتغيرت أيضًا موازين القوة على الأرض، حتى تغيرت حسابات الروم والفرس بعد أن باغتتهم قوة لم تكن في حساباتهم أبدًا، ولم يكن لها شأن يذكر في خططهم،

لقد ظهرت لهم قوة العرب! فبعد أن كان العرب على هامش التاريخ ويعيشون تحت وصاية الروم من جهة ووصاية الفرس من جهة أخرى، أذلاء مستعبدين، أصبحوا بعد أن دخلوا الإسلام أعزة أقوياء ورأس حربة في هذا الصراع، حتى تحطمت تحت أقدامهم فيما بعد أحلام الروم والفرس سواء.

أصل الصراع وبدايته كان مع اليهود والروم والفرس، فهذه ثلاث جبهات تقاتل فيها الأمة، جبهة مع الروم وهي الأقوى، وجبهة مع الفرس، وجبهة اليهود وهي الأضعف؛ كونها لم تكن قوة نظامية أو إمبراطورية قائمة لها نظام وجيش -كما هو الحال عند الروم والفرس-، ثم تلاشت جبهة اليهود بعد جلائهم خارج المدينة وقتل رجالهم وهدم بيوتهم ، بسبب خيانتهم ونقضهم العهد ومحاولتهم قتل النبي ﷺ.

لينحصر الصراع فيما بعد مع الروم من جهة، ومع الفرس من جهة أخرى، وبقيت اليهود أفرادًا وجماعات صغيرة تحيك المؤامرات، وتحرض ضد الأمة وتتعاون مع كل أعدائها.

استمرار الصراع:

استمر الصراع مع هذه الجبهات لقرون طويلة، والحرب بيننا سجال فتارة يهزموننا في موطن ضعفنا، ونهزمهم في غالب بقاع الأرض، واستمر هذا الصراع دون انقطاع وعلى كافة المستويات.

وبعد سقوط آخر قلاع المسلمين وانتهاء الخلافة الإسلامية على الأرض عاد شكل الصراع يتغير مرة أخرى، وأصبحت الأمة هي الحلقة الأضعف فيه، حتى تداعت عليها كل الأمم، وبرز لها أعداؤها من كل حدب وصوب، حتى أنهكوها وفرقوا صفوفها، لكن ما زالت هنالك ثلة ثابتة تقاوم وتقاتل بقوة عقيدتها، ويقينها بوعد الله لها بالنصر والتمكين، كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه قال ﷺ:”لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”

والصراع مستمر ومتصل إلى يومنا هذا وعلى نفس الجهات الثلاثة القديمة، أولها وعلى رأسها الروم التي تمثلها اليوم أمريكا ومن مشى في ركبها، والجبهة الثانية هم الفرس التي تمثلها إيران ومن التحق بركبها، والجهة الثالثة هم اليهود وكما كانوا قديمًا ذيلًا وأداة بيد الكفار والمشركين، ها هم اليوم أداة بيد أمريكا تحركهم وفق مصالحها في المنطقة.

مصير الصراع:

ومصير هذا الصراع ومآلاته، هو تصور مبني على أصل الصراع الذي بدأ مع الأمة بعد دخولها ساحة التأثير والصراع، وكذلك مبني على الخطاب القرآني، والأحاديث الصحيحة والتي تحدث فيها النبي ﷺ عن آخر الزمان.

وخلاصة هذا الصراع المحتدم اليوم مع هذا التحالف الثلاثي ضد الأمة سوف يتفكك وينحصر ويتغير شكله مرة أخرى، وتصعد الامة الإسلامية إلى قمته وتديره كما كانت من قبل.

ففي سورة الروم عندما ذكر الله الحروب الدائرة بين الروم والفرس في قوله ﷻ: {غُلبت الروم في أدني الأرض} جاء ذكر اسم الروم صريحًا {غُلبت الروم} ولم يذكر ﷻ الفرس وهي اشارة إلى طمس هويتهم واضمحلال قوتهم شيئا فشيئا حتى سقوط دولتهم إلى الأبد.

فمصير هذا التحالف اليوم بين المشروع الصليبي والمشروع الفارسي المجوسي إلى التفكك والاضمحلال.

وأما اليهود وعلى مر التاريخ لم يكن لهم أبدًا دولة نظامية مستقلة إلا في كتبهم المضللة، فاليوم أمريكا التي تفرض سيطرتها على العالم تفوض اسرائيل للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وتشغل لها مكانها بالنيابة، وفي نفس الوقت توفر على أمريكا فاتورة بقاء جيشها في المنطقة وهي فاتورة باهظة جدًا.

مع هذا فإن الصراع مع اليهود محدود بزمن معين، وسينتهي بزوال اليهود من المنطقة وهزيمتهم أمام المسلمين، كما في الحديث الذي رواه البخاري: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله»

وقد ذكر الله ﷻ في كتابه العزيز مصير بني اسرائيل فقال جل شأنه: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}

فبعد أن علو اليهود علوًا كبيرًا، وأفسدوا في الأرض إفسادًا عظيمًا أرسل الله ﷻ عليهم في المرة الأولى بختنصر فاستباح بيضتهم، واستأصل شأفتهم وأذلهم وقهرهم، ثم رد الله عليهم قوتهم فعتوا كسابق عهدهم، وحصل منهم إفساد مرة أخرى كعادتهم في أنقاض الوعود، فأرسل الله ﷻ عليهم في الثانية بيردوس ملك بابل فأذلهم وقهرهم وشتت جمعهم، كما ذكر ذلك البيضاوي في تفسيره.

ثم حذرهم الله تعالى إن هو أنعم عليهم أن يعودوا إلى الإفساد مرة أخرى؛ لأن هلاكهم في ذلك، فقال عز وجل: «وإن عدتم عدنا» أي إن عدتم إلى الإفساد عدنا إلى إذلالكم، ومع هذا التحذير والإنذار نجد أنهم يعودون لهذا الإفساد ويعيد الله عليهم سوء العذاب، قال الله ﷻ: ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة.

يقينًا سوف تسقط قوة اليهود إلى الأبد، وينحصر الصراع بين الأمة والروم، وتضمحل كل القوى الأخرى التي ناصبت الإسلام العداء، ووقفت تعرقل خطته في الإصلاح، وتخليص البشرية من العبودية والاستعباد.

وهو ما ينبغي التركيز عليه في وضع الاستراتيجيات والخطط اللازمة لمواجهة وإفشال مخططات عدونا، متمثلا بأمريكا..

تلك هي الحقيقة الثابتة.. فأمريكا هي المحرك الرئيس لكل أعداء الأمة حتى أولئك الأعداء المتماهين، اندساسًا بين صفوفنا.

وهذا لا يعني أن نهمل جبهة الفرس واليهود أو نقلل من خطرهم بل العكس تمامًا، فإن التصدي لهم وافشال مشاريعهم هو افشال لمشاريع أمريكا في المنطقة.

Please follow and like us:
إياد العطية
كاتب وباحث في شؤون الأمة ومهتم بتاريخها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب