الأحد سبتمبر 8, 2024
مقالات

إياد العطية يكتب: الإسلام السياسي والنظام الدولي

الصراع الإسلامي مع النظام الدولي صراع قديم وله جذوره التاريخية، وهو صراع متصل منذ أن دخل المسلمون ساحة الصراع، وأصبحوا رقمًا صعبًا في دائرة التأثير العالمي، وأصبح تواجدهم ضمن أهم مرتكزات موازين القوة على الأرض، هذا إن لم يكونوا قطبها الوحيد في تلك فترة، ولم يكن ليحصل هذا.. دون أن تملك أمة الإسلام القوة الرادعة التي غيّرت موازين القوة على الأرض!!

 فمما هو معلوم أن المسلمين في بداية الدعوة الإسلامية لم يكونوا رقمًا صعبًا، أو جهة يُحسب لها حساب في دائرة الصراع، ولكن عندما تمكّن النبي ﷺ من امتلاك هذه القوة، وكوّن الجيوش ورسم الخطة وأعد لها العدة، وقد أذن الله ﷻ له بالقتال.. لتدخل الأمة الإسلامية في توازنات القوة على الأرض! لتصبح هي الأمة الوحيدة القادرة على فرض قراراتها على الأرض، ويصبح العرب لاعبًا رئيسًا بعد أن كانوا على هامش التاريخ.

تحركت الجيوش الإسلامية على مدى قرون طويلة تحارب الباطل، وتفرض العدل، وتنشر الإسلام حتى انتصر الحق وانهزم الباطل، ووصل الإسلام إلى أقصى الأرض.

واستمر الصراع مع النظام الدولي آن ذاك وكانت الحرب سجالًا، وغالب الكفة للمسلمين.. إلى أن سقطت آخر قلاع المسلمين، وتغير مرة أخرى شكل الصراع، وعاد النظام الدولي ممسكًا بزمام الأمور من جديد.

في هذه المرحلة تغير شكل الصراع عمّا كان عليه سابقًا، فلم يعد بإمكان النظام الدولي أن ينهي وجود أمة الإسلام على الأرض كما كان حلمه من قبل، لأن الإسلام بات فكرا وعقيدةً، ملأت الارواح وحركت الأجساد لتحقيق الفتح الأعظم؛ حيث انتشر الإسلام في كل أصقاع الأرض، ولم يعد أحد باستطاعته اقتلاعه من جذوره.

غير أنهم عمدوا إلى القوة الناعمة، واجتهدوا في إفراغ الدين من مضمونه الحقيقي، للإبقاء على شكله الظاهر، الذي يحقق لهم غاياتهم البعيدة؛ فلا يستطيع المسلمون أن يدخلوا بأي صراع يحقق لهم مبتغاهم، وإنما يبقى إسلامًا سطحيًا، تخضع فيه الأرض ومن عليها لسيطرتهم وتحت نفوذهم العسكري.

الإسلام السياسي، كما عرفه الدكتور مصطفى محمود هو: الإسلام الذي يتجاوز الإصلاح الفردي إلى الإصلاح الاجتماعي والإصلاح الحضاري والتغيير الكوني.

 وهذا مما لا يقبل به النظام الدولي لأمة الإسلام وعلى رأسه أمريكا، فهم يريدون إسلامًا أجوفًا خاليًا من أي رغبة في السيادة على الأرض، إسلامًا لا ينازعهم السلطة على الأرض، إسلامًا يكتفي بالمعاملات والعبادات (شكلًا)، وفقه الحلال والحرام (دون فقه الواقع وأولياته)، وشروط النكاح وأركانه، والاهتمام في الهدي الظاهر من إطلاق اللحى وتقصير الثوب إلخ..

وكأنّ لسان حالهم يقول:

اعملوا بهذه العبادات التي ترجون بها الآخرة واتركوا لنا هذا الواقع كي نديره وفق آيدلوجيا السياسة، حيث فن الممكن (براغماتيّا).. والتزموا مبدأ الزهد الذي ورد في دينكم!

 انطلاقًا من هذا المفهوم.. ذهب النظام الدولي لدعم كل التيارات والحركات والجماعات الإسلامية المنحرفة التي تتوافق مع هذه الرؤية، وهيّأوا لهم أرضية انتشارهم، وفتحوا لهم البلدان، وسهّلوا لهم الحصول على الأموال، بل وفرضوا هذا التوجه ليكون هو دين الدولة الرسمي!

ووفق هذا التصور الغربي تجد كبار قياداتهم وملوكهم ورؤسائهم يصرحون جهارًا نهارًا أنهم لا يعادون الإسلام، ولا يضمرون له العداوة، بل هم داعون إليه، وحماة دياره!

 وفي خط متوازٍ ذهب النظام الدولي برمته إلى *شيطنة* جميع دعاة الإسلام السياسي الذين يطالبون في تحكيم الإسلام في كل مفاصل الحياة؛

– إسلام يسعى لامتلاك القوة والتكنولوجيا، ويأكل مما غرزته يده، ويلبس مما صنعته مصانعه..

– إسلام يمتلك قراره المستقل، وله سيادة كاملة على أرضه وماله وأفراده!

– إسلام ليس تابع لأحد، ولا يتحكم فيه أحد..

– إسلام يستطيع أن يدافع عن أرضه وماله وعرضه إذا ما انتهك مفصل من مفاصله السيادية.

وعليه.. فإنّ الإسلام في خطط النظام الدولي لا مكان له سوى المسجد (عبادات لا تنتقل بالمؤمن الى الإصلاح) فإذا ما حاول أحدهم إخراجه إلى غير فضائه المُخطط له.. تحرّكت الجيوش وأُعلنتِ الحرب برًا وجوًا وبحرًا..

Please follow and like us:
إياد العطية
كاتب وباحث في شؤون الأمة ومهتم بتاريخها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب