إياد العطية يكتب: في التاريخ دروس وعبر
إن الله تعالى إذا أراد شيئًا هيّأ له أسبابه، وضبط له ظروفه، وأحكم له تفاصيله لإتمامه على الشكل الذي يريده بحكمته ووفق مراده!
1- قٌبيل بعثة النبي ﷺ بالرسالة والنبوة أشغل الله تعالى الروم والفرس بحرب طاحنة بينهما استمرت لفترة طويلة، مرت بها بعثة النبي ﷺ حتى صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة، والذي سُمي فتحًا مبينًا.
2- من حكمة الله ﷻ أن معركة الروم والفرس هذه استمرت قرابة الربع قرن!
استطاع خلالها النبي ﷺ أن ينشر دعوته، ويبلغ رسالته، ويجمع الناس من حوله، ثم يتمكن من كل أسباب القوة والتمكين، وأصبح المسلمون رقمًا صعبًا في دائرة التأثير والصراع، دون أن تتعرّض لهم هاتان القوتان.
فأشغلهم الله تعالى بأنفسهم طوال فترة التأسيس للدولة الإسلامية، وقبل تمكن النبي ﷺ من القوة بشكل كامل.
3 – بحكمته تعالى وقعت حرب الروم والفرس هذه حتى لا تستعين قريش بإحدى القوتين ضد دعوة النبي ﷺ، خاصة وأن النبي ﷺ يدعو لتوحيد الله ﷻ، عقيدة تهدم عقيدة الروم والفرس، وتُعلن عليهم الحرب في أرض العرب التي يغتصبونها كل من جهته.
4- كانت قريش ترتبط مع الروم بمصالح تجارية كبيرة في الشام، يمكنها من طلب العون والدعم منهم لإيقاف دعوة النبي ﷺ باعتباره حدث جديد طرأ على الساحة يهدد نفوذهم وسلطانهم جميعًا، ويُعرض تجارتهم للخطر.
منعها من ذلك انشغال الروم بهذه الحرب الطاحنة مع الفرس!
5- فتأملوا معي أحبتي كيف يدبر الله ﷻ الأمر ويهيأ له أسبابه لإتمامه!
ولا شك أنّ ما تمر به الأمة اليوم من أحداث عظام والتي ساهمت في إعادة تكوين وعيها الفكري من جديد، يقينًا هي توطئة لإتمام أمر عظيم!
﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾
6- في تلك الأحداث من التاريخ دروس وعبر نستفيد منها في حاضرنا، ونستخرج منها لواقعنا ما ينفعنا.
فلعل الله تعالى يريد من أحداث اليوم أمرًا عظيمًا لغد، يُمكن الله فيه المسلمون، ويعيد للأمة سلطانها المغصوب.
﴿لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا﴾
7- ولا شك أن أحداث غزة اليوم هي حلقة مهمة في سلسلة أحداث الأمة التي سوف تساهم في تشكيل الوعي من جديد، وتزيل الغشاوة عن الأبصار، وترفع من جاهزية الأمة في خوض معاركها المصيرية في إعادة سلطانها المسلوب.
8- إن من لوازم استعادة القوة والتمكين على الأرض والتغيير في موازين القوة مرة أخرى؛ أن يسبقها ثورة فكرية، ووعي شامل في مجريات الصراع مع الأعداء، ثم تبدأ تتكسر الأصنام وتسقط الأقنعة عن كل المشاريع التي تأثرت بها الأمة وانخدعت بها.
9- هذه المسيرة الصعبة للأمة المخضبة بدماء أبنائها وفلذات أكبادها، هي ثمن خروجها من مرحلة الاستضعاف وبداية نهوضها من جديد، كان مقدمتها زيادة وعيها وفهمها للأحداث من حولها.
10- لقد أسقط الله جلّ في علاه – منذ حرب أفغانستان مرورًا باحتلال العراق وأحداث سورية ومصر واليمن وأخيرًا غزة – كلَّ المشاريع التي من شأنها أن تُعرقل مسيرة الأمة، وفي مرآها كسر الأصنام التي شيدت لتعبدها من غير الله، وكأنه سبحانه يسوق الأمة سوقًا إلى مشروع خلاصها، وإعادة مكانها الريادي على الأرض.