إياد العطية يكتب: في التاريخ دروس وعبر
إنَّ للتاريخِ دروسًا لا تندثرُ عبرَ الزمنِ، وأحداثَهُ تسيرُ وفقَ حكمةٍ إلهيَّةٍ لا يدركُها إلا من أمعنَ النظرَ. إنَّ اللهَ تعالى إذا أرادَ شيئًا هيَّأَ له أسبابَهُ، وضبطَ له ظروفَهُ، وأحكمَ له تفاصيلَهُ لإتمامِهِ على الشكلِ الذي يريدُهُ بحكمتِهِ ووفقَ مرادِهِ!
قُبَيلَ بَعثةِ النبيِّ ﷺ بالرسالةِ والنُّبوَّةِ، أشغلَ اللهُ تعالى الرُّومَ والفُرْسَ بحربٍ طاحنةٍ بينَهما استمرَّت لفترةٍ طويلةٍ، مرَّت بها بعثةُ النبيِّ ﷺ حتَّى صلحِ الحديبيةِ في السنةِ السادسةِ للهجرةِ، والذي سُمِّيَ فتحًا مُبينًا.
من حِكمةِ اللهِ ﷻ أنَّ معركةَ الرُّومِ والفُرْسِ هذهِ استمرَّتْ قرابةَ الربعِ قرن! استطاعَ خلالها النبيُّ ﷺ أنْ ينشرَ دعوتَهُ، ويبلِّغَ رسالتَهُ، ويجمعَ الناسَ من حولِهِ، ثمَّ يتمكَّنَ من كلِّ أسبابِ القُوةِ والتمكينِ، وأصبحَ المسلمونَ رقمًا صعبًا في دائرةِ التأثيرِ والصراعِ، دون أنْ تتعرَّضَ لهم هاتانِ القُوتانِ. فأشغَلَهم اللهُ تعالى بأنفسِهم طوالَ فترةِ التأسيسِ للدولةِ الإسلاميةِ، وقبلَ تَمكُّنِ النبيِّ ﷺ من القوَّةِ بشكلٍ كاملٍ.
بحكمتِهِ تعالى وقعتْ حربُ الرُّومِ والفُرْسِ هذهِ حتَّى لا تستعينَ قُرَيْشٌ بإحدى القُوَّتَيْنِ ضدَّ دعوةِ النبيِّ ﷺ، خاصَّةً وأنَّ النبيَّ ﷺ يدعولتوحيدِ اللهِ ﷻ، عقيدةً تهدمُ عقيدةَ الرُّومِ والفُرْسِ، وتُعلنُ عليهِم الحربَ في أرضِ العربِ التي يغتصبونَها كلٌّ من جهتِهِ.
كانت قُرَيْشٌ تعتمد في تجارتها على الرحلات الموسمية إلى الشَّامِ، التي كانت تحت سيطرةِ الرُّومِ، ومن الطبيعي أن تفكر في طلبِ العونِ والدَّعمِ منهم لإيقافِ دعوةِ النبيِّ ﷺ باعتبارهِ حدثًا جديدًا طرأَ على السَّاحةِ يُهدِّدُ نفوذَهم وسلطانَهم جميعًا، ويُعرِّضُ تجارتَهم للخطر. منعَها من ذلكَ انشغالُ الرُّومِ بهذهِ الحربِ الطاحنةِ مع الفُرْسِ!
فتأملوا معي أحبَّتي كيف يدبِّرُ اللهُ ﷻ الأمرَ ويُهَيِّئُ له أسبابَهُ لإتمامِهِ!
ولا شكَّ أنَّ ما تمرُّ بهِ الأمَّةُ اليومَ من أحداثٍ عظامٍ والتي ساهمتْ في إعادةِ تكوينِ وعيِها الفكريِّ من جديدٍ، يقينًا هي توطئةٌ لإتمامِ أمرٍ عظيمٍ!
﴿ وعدَ اللهُ الذينَ آمنوا منكم وعملوا الصالحاتِ ليستخلفنَّهم في الأرضِ كما استخلفَ الذينَ من قبلِهم وليُمكِّننَّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم وليُبدِّلنَّهم من بعدِ خوفِهم أمنًا ﴾
في تلكَ الأحداثِ من التاريخِ دروسٌ وعِبَرٌ نستفيدُ منها في حاضرِنا، ونستخرجُ منها لواقعِنا ما ينفعُنا. وكما كان انشغال القوى العظمى في الماضي سببًا في انتشار دعوة النبي ﷺ، فإننا اليوم نشهد مواقف مماثلة قد تكون بوابة لتغيير كبير في مصير الأمة.
فلعلَّ اللهَ تعالى يريدُ من أحداثِ اليومِ أمرًا عظيمًا لغدٍ، يُمكِّنُ اللهُ فيهِ المسلمون، ويُعيدُ للأمَّةِ سلطانَها المغصوبَ.
﴿لا تدري لعلَّ اللهُ يُحدثُ بعدَ ذلكَ أمرًا﴾