إيران تلوّح بالرد بعد الضربة الأمريكية على مواقعها النووية.. سيناريوهات الرد المحتمل تبدأ من إسرائيل ولا تنتهي عند الخليج

في أعقاب الضربة الجوية الأمريكية التي استهدفت ثلاثة مواقع نووية إيرانية استراتيجية هي فوردو ونطنز وأصفهان، دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التصعيد، مع إعلان الحرس الثوري الإيراني رسميًا أن “الآن بدأت الحرب بالنسبة لنا”. هذا التصريح، الذي نُشر على منصة “X” عبر حساب مرتبط بالحرس الثوري، لا يترك مجالًا للشك حول نية طهران بالرد، وإن كان ردها – كالعادة – قد يتخذ طابعًا مركبًا وغير تقليدي، مستفيدًا من أدواتها الممتدة في الإقليم.

ففي حين أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن العملية العسكرية التي نفذتها القوات الجوية الأمريكية كانت “ناجحة للغاية” وحققت أهدافها دون خسائر، فإن طبيعة المنشآت المستهدفة ومكانتها في المنظومة الاستراتيجية الإيرانية تُحتم على القيادة الإيرانية التحرك، ليس فقط لاستعادة هيبة الردع، بل أيضًا لتأكيد استمرار نفوذها في الإقليم.

استهداف إسرائيل عبر الوكلاء.. الرد الأكثر ترجيحًا

السيناريو الأول والأكثر توقعًا هو أن تبدأ إيران الرد عبر حلفائها الإقليميين، خاصة حزب الله في لبنان، والميليشيات العراقية الموالية لطهران، وربما الفصائل الفلسطينية في غزة. هذا السيناريو سيتيح لإيران الضرب من دون أن تتحمل كلفة مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
حزب الله قد يُطلق وابلًا من الصواريخ على الجليل والجولان، وقد يتم استخدام أسلحة متطورة نسبيًا لتوجيه ضربات دقيقة لمواقع عسكرية إسرائيلية. في العراق وسوريا، يمكن للميليشيات الشيعية استهداف القواعد الإسرائيلية في الجولان أو الجنوب السوري، بينما تُشعل حماس والجهاد الإسلامي الجبهة الجنوبية في قطاع غزة لصرف انتباه إسرائيل وتشتيت جهودها الدفاعية.

قواعد أمريكا في الخليج في مرمى النار

الرد الإيراني قد يمتد أيضًا إلى استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج العربي، وخاصة قاعدة العديد في قطر، وقاعدة الظفرة في الإمارات، إضافة إلى قواعد في العراق مثل “عين الأسد” و”أربيل”.
وستُنفذ هذه الضربات – إن حدثت – عبر صواريخ قصيرة المدى أو مسيّرات مفخخة، وستكون ضربة محسوبة بدقة بهدف إحداث ضرر عسكري ورسالة سياسية، دون الانجرار إلى حرب شاملة مع واشنطن. هذا النوع من العمليات يحمل طابع “الإنذار القوي”، ويوصل رسالة أن استمرار الضغط على إيران سيقابل بتكلفة متصاعدة.

مضيق هرمز وتهديد الملاحة الدولية

في سياق التصعيد، قد تلجأ إيران إلى تحريك الجبهة البحرية، لا سيما عبر تهديد الملاحة في مضيق هرمز، أحد أهم الممرات النفطية في العالم. يمكن أن يتم ذلك عبر زرع ألغام بحرية، أو شن هجمات بطائرات مسيرة انتحارية على ناقلات نفط تحمل أعلامًا أمريكية أو بريطانية أو تابعة لحلفاء الولايات المتحدة، كالسعودية والإمارات.
مثل هذه التحركات ستُربك الأسواق النفطية العالمية، وتدفع بأسعار النفط إلى الارتفاع، ما يمنح إيران أداة ضغط اقتصادية، حتى وإن كانت محفوفة بالمخاطر.

عمليات رمزية ضد مصالح أمريكية ودبلوماسية

من السيناريوهات التي قد تستخدمها إيران أيضًا، تنفيذ عمليات استهداف أو اختطاف لرعايا أمريكيين، أو شن هجمات على مواقع دبلوماسية أمريكية في دول تُعاني من هشاشة أمنية، مثل العراق أو اليمن أو حتى لبنان.
هذه العمليات لا تستهدف القتل بالضرورة، بل تهدف إلى إحداث صدمة سياسية ونفسية في الرأي العام الأمريكي، وتذكير العالم بأن إيران قادرة على الوصول إلى مصالح خصومها خارج حدودها الجغرافية.

معادلة “الرد دون الحرب”.. والتصعيد المحسوب

الملاحظ أن إيران على الأرجح لن تتجه إلى حرب شاملة مباشرة مع الولايات المتحدة، لكنها ستسعى إلى خلق “معادلة ردع جديدة” عبر سلسلة من الضربات المركبة والمدروسة، بحيث تُضعف موقف واشنطن دون أن تجرّ المنطقة إلى مواجهة كبرى لا ترغب فيها أي من الأطراف.
هذه الضربات ستحمل رسائل إلى الداخل الإيراني أيضًا، حيث تتعرض القيادة لضغوط شعبية وإعلامية متزايدة تطالب بالرد، حفاظًا على الكرامة والسيادة بعد استهداف عمق البرنامج النووي الإيراني.

من فوهة الغضب الإيراني، تُرسم الآن ملامح مرحلة جديدة في الشرق الأوسط. الضربة الأمريكية لم تكن مجرد عملية عسكرية خاطفة، بل لحظة مفصلية قد تُعيد ترتيب قواعد الاشتباك في المنطقة. إيران، المُحاصَرة دوليًا، والمنخرطة في شبكة من التحالفات غير التقليدية، لن تترك الهجوم يمر دون رد، لكنها كما يبدو ستختار توقيتًا وأدوات تتيح لها معاقبة خصومها، من دون أن تحترق بنيرانها.
والسؤال الذي تبقى إجابته معلقة: هل يكون الرد الإيراني بمستوى الغضب، أم بمستوى الحسابات؟