شهدت إيران خلال الأشهر الأخيرة حملة ترحيل واسعة ضد اللاجئين الأفغان، أُعيد خلالها أكثر من 1.5 مليون شخص إلى أفغانستان، في واحدة من أكبر عمليات الإعادة القسرية في المنطقة خلال العقد الأخير.
وبحسب مصادر من منظمة الهجرة الدولية، فإن نحو 500 ألف أفغاني تم طردهم فقط منذ يونيو، فيما قالت وزارة الداخلية الإيرانية إن هدفها ترحيل ما يصل إلى 4 ملايين لاجئ غير موثقين خلال العام الجاري وفق صحيفة الجارديان.
(تزامن هذا التصعيد مع اتهامات وجهتها السلطات الإيرانية لبعض الأفغان بالتجسس لصالح إسرائيل. فقد أعلنت طهران عن تفكيك “شبكة تجسس” تضم أفراداً يحملون الجنسية الأفغانية، ووصفتهم بأنهم عملاء مرتبطون بجهاز “الموساد”.
وجرى عرض اعترافات لبعضهم عبر وسائل الإعلام الرسمية، رغم غياب أدلة مستقلة أو تحقيقات قضائية شفافة تدعم هذه المزاعم، مما دفع بعض النواب الإيرانيين إلى التشكيك في صحة تلك الاتهامات وفقًا للجزيرة.
تقارير صحفية واستقصائية نقلت عن منظمات حقوقية أن السلطات الإيرانية استخدمت ذريعة “الأمن القومي” لتبرير مداهمات واسعة النطاق واعتقالات، شملت حتى حاملي الإقامات القانونية،
فضلاً عن مصادرة الوثائق الرسمية وتدمير ممتلكاتهم. ويُنظر إلى هذه السياسة باعتبارها استهدافاً ممنهجاً للاجئين الأفغان بعد توتر العلاقات الإيرانية الإسرائيلية في أعقاب الهجمات الأخيرة.
على الجانب الإنساني، تسببت عمليات الإعادة القسرية في أزمة كبرى على الحدود الأفغانية، حيث استقبلت كابول مئات الآلاف من العائدين في ظروف قاسية، وسط نقص حاد في المساعدات الدولية وارتفاع معدلات الفقر والنزوح الداخلي. منظمة الهجرة الدولية وصفت الوضع بـ”الكارثي”،
مشيرة إلى أن كثيرًا من العائدين لم يحصلوا على فرصة لجمع ممتلكاتهم أو التواصل مع عائلاتهم قبل الترحيل بحسب رويترز.
وأمام هذه الأزمة، وجهت منظمات أممية مثل مفوضية اللاجئين نداءات عاجلة لإيران بوقف الترحيلات الجماعية،
مشددة على ضرورة احترام مبدأ “عدم الإعادة القسرية” المعترف به دوليًا، والذي يحظر إعادة الأشخاص إلى بلدان قد يواجهون فيها الخطر أو الاضطهاد، خصوصًا في ظل استمرار هيمنة طالبان على الحكم في أفغانستان.
تشير هذه التطورات إلى تصاعد غير مسبوق في استغلال الملف الأمني في إيران لتصفية الوجود الأفغاني، وهو ما يخشى مراقبون أن يتحول إلى نمط متكرر في ظل التوترات الإقليمية،
وسط صمت دولي نسبي تجاه ما وصفته بعض الجهات الحقوقية بـ”سياسات التطهير العرقي المقنّعة”.
عبّر عدد من الخبراء في قضايا اللجوء وحقوق الإنسان عن قلقهم العميق إزاء حملة الترحيل الواسعة التي تنفذها إيران بحق اللاجئين الأفغان، والتي ترافقت مع اتهامات مثيرة للجدل بالتجسس لصالح إسرائيل.
وقد اعتبر كثير منهم أن هذه السياسات تأتي في سياق توظيف أمني لأزمة اللاجئين، بعيدًا عن الضمانات القانونية والإنسانية التي يُفترض أن تلتزم بها طهران وفق المعايير الدولية.
الخبير في الشؤون الإيرانية بمركز “كارنيغي” للدراسات، د. مهدي خديور، قال إن إيران “تسعى إلى استثمار البيئة الأمنية المشحونة بعد ضربات إسرائيل الأخيرة لتبرير حملة ممنهجة ضد اللاجئين الأفغان”،
مشيرًا إلى أن النظام الإيراني غالبًا ما يستخدم شماعة “العدو الخارجي” لتبرير التضييق الداخلي. وأضاف أن اتهام اللاجئين بالتجسس “مبالغ فيه وغير مدعوم بأدلة موثقة، وهو جزء من دعاية أمنية أكثر منه إجراء جنائي حقيقي”
من جهته، أوضح المدير الإقليمي لمنظمة الهجرة الدولية في جنوب آسيا، جانيت كارسون، أن ما يحصل هو “ترحيل قسري جماعي ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية”،
مؤكدًا أن “الأعداد الضخمة وطبيعة التنفيذ تشير إلى أن السلطات الإيرانية لم تميز بين مهاجرين غير نظاميين وأولئك الذين لهم وضع قانوني”. وحذر من أن “الضغط المفاجئ على الحدود الأفغانية قد يؤدي إلى تفجر أزمة إنسانية أكبر من قدرة المنظمات الدولية على الاستجابة لها”. رويترز.
أما الباحثة في حقوق اللاجئين بـ”منظمة العفو الدولية”، سارة يزبك، فوصفت الاتهامات بالتجسس بأنها “مقلقة من منظور حقوقي، خصوصًا إذا استخدمت لتبرير انتهاكات واسعة تشمل الاعتقال التعسفي، مصادرة الممتلكات، والتعذيب”.
وأضافت أن عرض “اعترافات تلفزيونية” لمشتبهين أفغان دون محاكمات عادلة يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويخلق بيئة من الخوف الجماعي بين اللاجئين بحسب تحليل في IranWire.
كما حذر دبلوماسي سابق في الأمم المتحدة، د. ريتشارد غولدبرغ، من أن هذه السياسة الإيرانية قد تؤدي إلى “تدويل أزمة اللاجئين مجددًا”، خاصة إذا لجأ العائدون إلى عبور الحدود مجددًا نحو باكستان أو تركيا، ما سيضع مزيدًا من الضغوط على الدول المجاورة ويهدد الاستقرار الإقليمي.
وأضاف أن “إيران تخاطر بسمعتها الدولية عبر الجمع بين أمنها القومي والانتهاكات الإنسانية” بحسب الجارديان.
باختصار، يرى الخبراء أن إيران تتعامل مع قضية اللاجئين من زاوية أمنية بحتة، مغفلة الجوانب الحقوقية والإنسانية، وهو ما يُنذر بتصعيد أكبر وبتداعيات خطيرة على استقرار أفغانستان والمنطقة ككل.