“إِلى عَرَفاتِ اللَهِ”.. شعر: أحمد شوقي
إِلى عَرَفاتِ اللَهِ يا خَيرَ زائِرٍ
عَلَيكَ سَلامُ اللهِ فى عَرَفاتِ
وَيَومَ تُوَلّى وُجهَةَ البَيتِ ناضِرًا
وَسيمَ مَجالى البِشرِ وَالقَسَماتِ
عَلى كُلِّ أُفقٍ بِالحِجازِ مَلائِكٌ
تَزُفُّ تَحايا اللهِ وَالبَرَكاتِ
إِذا حُدِيَت عيسُ المُلوكِ فَإِنَّهُمْ
لِعيسِكَ فى البَيداءِ خَيرُ حُداةِ
لَدى البابِ جِبريلُ الأَمينُ بِراحِهِ
رَسائِلُ رَحمانِيَّةُ النَفَحاتِ
وَفى الكَعبَةِ الغَرّاءِ رُكنٌ مُرَحِّبٌ
بِكَعبَةِ قُصّادٍ وَرُكنِ عُفاةِ
وَما سَكَبَ الميزابُ ماءً وَإِنَّما
أَفاضَ عَلَيكَ الأَجرَ وَالرَحَماتِ
وَزَمزَمُ تَجرى بَينَ عَينَيكَ أَعيُنًا
مِنَ الكَوثَرِ المَعسولِ مُنفَجِراتِ
وَيَرمونَ إِبليسَ الرَجيمَ فَيَصطَلي
وَشانيكَ نيرانًا مِنَ الجَمَراتِ
يُحَيّيكَ طَهَ فى مَضاجِعِ طُهرِهِ
وَيَعلَمُ ما عالَجتَ مِن عَقَباتِ
وَيُثنى عَلَيكَ الراشِدونَ بِصالِحٍ
وَرُبَّ ثَناءٍ مِن لِسانِ رُفاتِ
لَكَ الدينُ يا رَبَّ الحَجيجِ جَمَعتَهُمْ
لِبَيتٍ طَهورِ الساحِ وَالعَرَصاتِ
أَرى الناسَ أَصنافًا وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ
إِلَيكَ انتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ
تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ
لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ
عَنَت لَكَ فى التُربِ المُقَدَّسِ جَبهَةٌ
يَدينُ لَها العاتى مِنَ الجَبَهاتِ
مُنَوِّرَةٌ كَالبَدرِ شَمّاءُ كَالسُها
وَتُخفَضُ فى حَقٍّ وَعِندَ صَلاةِ
وَيا رَبِّ لَو سَخَّرتَ ناقَةَ صالِحٍ
لِعَبدِكَ ما كانَت مِنَ السَلِساتِ
وَيا رَبِّ هَل سَيّارَةٌ أَو مَطارَةٌ
فَيَدنو بَعيدُ البيدِ وَالفَلَواتِ
وَيا رَبِّ هَل تُغنى عَنِ العَبدِ حَجَّةٌ
وَفى العُمرِ ما فيهِ مِنَ الهَفَواتِ
وَتَشهَدُ ما آذَيتُ نَفسًا وَلَم أَضِر
وَلَم أَبغِ فى جَهرى وَلا خَطَراتي
وَلا غَلَبَتنى شِقوَةٌ أَو سَعادَةٌ
عَلى حِكمَةٍ آتَيتَنى وَأَناةِ
وَلا جالَ إِلّا الخَيرُ بَينَ سَرائِري
لَدى سُدَّةٍ خَيرِيَّةِ الرَغَباتِ
وَلا بِتُّ إِلّا كَابنِ مَريَمَ مُشفِقًا
عَلى حُسَّدى مُستَغفِرًا لِعِداتي
وَلا حُمِّلَت نَفسٌ هَوىً لِبِلادِها
كَنَفسِى فى فِعلى وَفى نَفَثاتي
وَإِنّى وَلا مَنٌّ عَلَيكَ بِطاعَةٍ
أُجِلُّ وَأُغلى فى الفُروضِ زَكاتي
أُبلَغُ فيها وَهى عَدلٌ وَرَحمَةٌ
وَيَترُكُها النُسّاكُ فى الخَلَواتِ
وَأَنتَ وَلِى العَفوِ فَامحُ بِناصِعٍ
مِنَ الصَفحِ ما سَوَّدتُ مِن صَفَحاتي
وَمَن تَضحَكِ الدُنيا إِلَيهِ فَيَغتَرِر
يَمُت كَقَتيلِ الغيدِ بِالبَسَماتِ
وَرَكِبَ كَإِقبالِ الزَمانِ مُحَجَّلٍ
كَريمِ الحَواشى كابِرِ الخُطُواتِ
يَسيرُ بِأَرضٍ أَخرَجَت خَيرَ أُمَّةٍ
وَتَحتَ سَماءِ الوَحى وَالسُوَراتِ
يُفيضُ عَلَيها اليُمنَ فى غَدَواتِهِ
وَيُضفى عَلَيها الأَمنَ فى الرَوَحاتِ
إِذا زُرتَ يا مَولاى قَبرَ مُحَمَّدٍ
وَقَبَّلتَ مَثوى الأَعظَمِ العَطِراتِ
وَفاضَت مَعَ الدَمعِ العُيونُ مَهابَةً
لِأَحمَدَ بَينَ السِترِ وَالحُجُراتِ
وَأَشرَقَ نورٌ تَحتَ كُلِّ ثَنِيَّةٍ
وَضاعَ أَريجٌ تَحتَ كُلِّ حَصاةِ
لِمُظهِرِ دينِ اللهِ فَوقَ تَنوفَةٍ
وَبانى صُروحِ المَجدِ فَوقَ فَلاةِ
فَقُل لِرَسولِ اللَهِ يا خَيرَ مُرسَلٍ
أَبُثُّكَ ما تَدرى مِنَ الحَسَراتِ
شُعوبُكَ فى شَرقِ البِلادِ وَغَربِها
كَأَصحابِ كَهفٍ فى عَميقِ سُباتِ
بِأَيمانِهِمْ نورانِ ذِكرٌ وَسُنَّةٌ
فَما بالُهُمْ فى حالِكِ الظُلُماتِ
وَذَلِكَ ماضى مَجدِهِمْ وَفَخارِهِمْ
فَما ضَرَّهُمْ لَو يَعمَلونَ لِآتي
وَهَذا زَمانٌ أَرضُهُ وَسَماؤُهُ
مَجالٌ لِمِقدامٍ كَبيرِ حَياةِ
مَشى فيهِ قَومٌ فى السَماءِ وَأَنشَؤوا
بَوارِجَ فى الأَبراجِ مُمتَنِعاتِ
فَقُل رَبِّ وَفِّق لِلعَظائِمِ أُمَّتي
وَزَيِّن لَها الأَفعالَ وَالعَزَماتِ