الأمة: في تقرير لـ د. محمد تقي العثماني قاضي التمييز الشرعي بالمحكمة العليا بباكستان و رئيس جامعة دار العلوم في كراتشي بباكستان وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعنوان “اتفاقات أبراهام”: الحقائق الخفية وتداعياتها “.وهي الإتفاقات التي يروج لها الإعلام الأمريكي والصهيوني والتابعين لهم وحول خطورة هذه الدعوة يقول:
إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يروج على مدار هذه الأيّام بكلّ معاني الحماس لاتفاق يُعرَف باسم الاتفاق الإبراهيمي (Abrahamic Accords).
و المقصود الأصلي من وراء هذا الاتفاق أنّ المسلمين واليهود والنصارى، بحكم كونهم جميعًا يعدّون سيّدنا نبيَّ الله إبراهيم عليه السلام إمامًا لهم وقدوة، فإنّه ينبغي أن يسود بينهم نوعٌ من التعاون والتآزر.
غير أنّ هذه التسمية باتت اليوم منصبّة على نقطة واحدة: أن تُقْدِم الحكومات الإسلامية والعربية على الاعتراف بإسرائيل، وإقامة علاقات طبيعية معها.
وأن تُسهم في دعمِ الكتلة الأمريكية في مواجهة القوة السياسية الصاعدة في الشرق، وهي الصين، وبذلك تُوضَع هذه الحكومات في مواجهة مباشرة مع خصم أمريكا.
الإمارات والبحرين يقرون بالإتفاق ويعترفون بإسرائيل..
وبموجب هذا الاتفاق،يقول الشيخ محمد تقي العثماني كانت دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين أول من بادر، فلم يقتصرا على الاعتراف بإسرائيل. بل مَضَيا في إقامة علاقات ودّية معها في مجالات شتّى، شمَلت حتى تبادل المعلومات الاستخباراتية.
هذا هو المآل السياسي النهائي لما يُسمّى ب الاتفاق الإبراهيمي. غير أنّ الوصول إلى هذه النتيجة لم يكن وليد لحظته، بل جرى التمهيد له منذ زمن بعيد.
فقد كانت هناك منذ سنوات محاولات حثيثة على الصعيد الفكري لجعل المسلمين واليهود والنصارى أكثر قربًا بعضهم من بعض.
ولو أنّ هذه المحاولات اقتصرت على غايةٍ واحدة، وهي أن يعيش أتباع الديانات الثلاث ـ حيثما اجتمعوا في مجتمع واحد ـ في أمن وسلام،
وألا يُعتدى على الأنفس والأموال بدافع من الانتماء الديني، لَمَا كان في ذلك ما يُستنكَر.
غير أنّ هذه الجهود أخذت تُعطي ـ شيئًا فشيئًا ـ الانطباع بأنّ هذه الأديان الثلاثة، لانتسابها جميعًا إلى سيّدنا إبراهيم عليه السلام، ليست إلا أبناء أسرة واحدة.
ومن أجل تثبيت هذا المعنى، سُعي أولًا إلى اعتماد قاعدة مفادها أنّه إذا اجتمع في دولةٍ أتباع ديانات متعددة، فإنّهم يُعَدّون «أمّةً واحدة» بمقتضى المواطنة.
مصطلح “الأسرة الإبراهيمية” ..خدعة جديدة ..
ثم جرى ابتداع مصطلح الأسرة الإبراهيمية لهذه الأديان الثلاثة، ليُقال إنّ المسلمين واليهود والنصارى جميعًا أعضاء في أسرة واحدة، وكلّهم من أتباع سيّدنا إبراهيم عليه السلام.
وكانت النتيجة المرسومة لذلك أن لا يبقى بين هذه الأديان نزاع بين الحق والباطل، بل يُعتبر الجميع منتسبين إلى عائلة واحدة بحكم اتّباع سيّدنا إبراهيم عليه السلام، ولا موجب عندئذٍ لأن يرى أحدهم الآخر مغايرًا له من حيث الدين.
والخلاصة التي أُريد ترسيخها أنّ جميع الأديان حق، وأنّ واحدًا منها ليس شرطًا للخلاص في الآخرة، وهو نفس المذهب الذي يروّج له دعاة «وحدة الأديان».
وهكذا صار مصطلح الاتفاق الإبراهيمي مرادفًا لمفهوم الاعتراف بإسرائيل دولةً مشروعة، وإقامة العلاقات الطبيعية معها.
وعندما وصلتُ إلى المؤتمر،المتعلق بهذه الموضوع جاء لاستقبالي أحد ممثلي مؤسسة «تعزيز السِّلم»، فقال لي إنّ في «ميثاق المدينة» عبارةً تفيد أنّ المسلمين واليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة يشكّلون معًا أمّة واحدة،
وإنّ الهدف من هذا المؤتمر هو تعميم هذا المفهوم في البلاد الإسلامية، بحيث يُنظر إلى المسلمين وغير المسلمين من مواطني الدولة الواحدة باعتبارهم جميعًا أمّة واحدة.
خلط المفاهيم بمصطلح الأسرة الإبراهيمية
ويواصل قائلا : أثار ذلك في نفسي ريبةً، فتدبّرت نصّ الميثاق بدقة، فرأيت أنّ الاستدلال به على كون المسلمين وغير المسلمين «أمّة واحدة» غير صحيح.
وعندما بدأت الجلسات، ورد في بعض الكلمات القولُ بأنّ المواطنين في الدولة، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، يُشكّلون أمّة واحدة، وأنّ ذلك هو مقتضى ميثاق المدينة.
فقمت بالردّ عليهم، وبيّنت ـ مستشهدًا بالآية: ﴿هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ وغيرها من الآيات ـ أنّ هذه المصطلحات القرآنية خاصةٌ بأتباع الدين الواحد، ولا يصحّ إسقاطها على الدولة القومية الحديثة (National State)؛
إذ إنّ ذلك يفضي إلى خلط المفاهيم واضطراب النتائج، فالأولى العدول عن هذا الاستعمال للمصطلح .
ويقول الشيخ محمد تقي العثماني أنه قام بلمشاركة بمؤتمر آخر، حيث طُرح مصطلحات جديدة، أبرزها «الأسرة الإبراهيمية».
واوضح أن ذكر تعايش المسلمين والمسيحيين واليهود في بلد واحد تحت مظلة اتفاقٍ على الأمن والسلام لا غضاضة فيه.
أمّا إطلاق وصف «الأسرة الإبراهيمية» عليهم، فمعناه التسوية بينهم في نسبة الاتباع الصادق لسیدنا إبراهيم عليه السلام، بينما القرآن الكريم يصرّح بأنّ اليهود والنصارى قد انحرفوا عن دينه الحنيف، ولم يبقَ لهم به صلة حقيقية.
ومع ذلك، جُمِع قادة هذه الأديان الثلاثة في ذلك المؤتمر، وأطلق عليهم اسم «الأسرة الإبراهيمية»، بل أُنشئت لهم أماكن عبادة متجاورة.
أمريكا وراء الترويج للأسرة الابراهيمة
فبعد أن تحوّلت عبارة الأسرة الإبراهيمية إلى أرضية فكرية، أدرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سنة 2020 عددًا من الحكومات الإسلامية في الاتفاق الإبراهيمي.
وفي مقدمتها الإمارات والبحرين، وكان جوهر الاتفاق الاعتراف بإسرائيل والتعاون معها في ميادين شتى، بصرف النظر عن قضية الاعتراف بفلسطين.
هنالك اتّضح أنّ العمل السياسي في هذا الباب استند، في بعض وجوهه، إلى الدعم الفكري الذي وفّرته تلك المؤتمرات بما أشاعته من مصطلحات مثل «الأمّة الواحدة» و«الأسرة الإبراهيمية» لتهيئة الأذهان وتعبيد الطريق أمام هذه المآلات.
وها أنا ذا أقدّمها فيما يلي: لقد لاحظتم كيف أنّهم -وبإدخال مصطلحات جديدة في تلك المؤتمرات- حاولوا إعدادَ الأرضية على المستوى العلميّ الفكريّ تمهيدًا لظهور ما سُمّي لاحقًا بـ الاتفاقات الإبراهيمية.
ثم جاءت سنة 2020، وفي ظلّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خرجت تلك الاتفاقات إلى حيّز التنفيذ متجسّدةً في سلسلة من المعاهدات، تضمّنت بنودًا للتعاون التجاري والاستراتيجي بين الدول الموقّعة (بما فيها إسرائيل).
ولو أن باحثًا اليوم أدخل مصطلح الاتفاقات الإبراهيمية في محرّك «جوجل» أو تصفّح صفحتها في «ويكيبيديا»، لما وجد إلا تعريفًا واحدًا مفاده: أنّ جميع الأطراف الموقّعة ملزمة بالاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
وهكذا آل الأمر إلى أن غدت «الأسرة الإبراهيمية» المزعومة مظلّةً تمنح الاعتراف بدولة واحدة فقط هي إسرائيل؛ دولة نشأت على الخداع والغدر وسفك دماء الأبرياء.
أمّا أولئك الذين كانوا من صميم هذه «الأسرة» وهم أهل فلسطين، فقد أُحيلت قضيتهم إلى التعليق المديد، مرهونة بما تقرّره إسرائيل، إن ارتضت أن تقرّر يومًا.
دول عربية وقعت علي الإتفاقات..
ويواصل قائلا : لقد بادرت عدّة دول عربية إلى التوقيع على هذه الاتفاقات: الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والمغرب، والسودان.
غير أنّ المملكة العربية السعودية وقفت موقفًا عادلًا، معلنة أنّها لن تنضمّ ما لم تُقَم دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف ” بيت المقدس”.
فتأمّلوا كيف يُستعمل مصطلح «الأسرة الإبراهيمية» ذريعةً لحماية كيانٍ فاقدٍ للشرعية، كيان يفتك بأبناء فلسطين افتراس الوحش الكاسر.
ويشنّ الغارات تارة على إيران، وتارة على لبنان، وأخرى على سوريا، غير عابئ بقانون دولي، ولا ملتزم بأعراف أخلاقية، ولا واقف عند حدود عهد أو ميثاق.
وفي الوقت ذاته، يرفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شعارًا خادعًا باسم «السلام»، يدعو من خلاله الدول الإسلامية إلى الالتحاق بهذا المسار، ليجعلها وقودًا لأطماع إسرائيل، ويزجّ بها في مواجهة خصم أمريكا: الصين.