بعد 30 عامًا من الصراع الدموي بين رواندا والكونغو الديمقراطية، وقّع البلدان في يونيو 2025 اتفاق سلام برعاية أميركية في واشنطن. لكن وراء الاحتفالات الرسمية، تكشف الوقائع أن الدوافع الأميركية تتجاوز “صناعة السلام” إلى ضمان حصة واشنطن في ثروات الكونغو، خاصة معادن “الكوبالت” و”الليثيوم” الحيوية لصناعة التكنولوجيا.
-لماذا تهتم واشنطن بالكونغو الآن؟
وفقا ل د. ياسر يوسف إبراهيم – الخبير بالعلاقات الدولية، فهذه اسباب الاهتمام:
1. المعادن النادرة.. القلب النابض للاتفاق
– الكونغو تنتج *75% من الكوبالت العالمي (معدن حاسم في بطاريات السيارات الكهربائية).
– تصريح ترامب بعد التوقيع: “ستحصل الولايات المتحدة على الكثير من حقوق المعادن في الكونغو”.
– تقارير تكشف أن الاتفاق رُبط بصفقات تعدين سرية لاستبعاد الصين، المنافس الأكبر لواشنطن في القارة.
2. الحرب الخفية على النفوذ الصيني
– الصين تسيطر على 80% من مناجم النحاس و 70% من قطاع التعدين* في الكونغو عبر اتفاقيات “المناجم مقابل البنية التحتية”.
– واشنطن تضغط لإعادة تقييم هذه الاتفاقيات، وتدعم شركات أميركية مثل *”كوبولد ميتالز”* (الممولة من داعمي ترامب).
استراتيجية ترامب الجديدة لأفريقيا.. “التجارة بدل المساعدات
1. أجندة 2025: أفريقيا في عهد ترامب
– تحويل المساعدات إلى قروض وإلغاء برامج التنمية.
– التركيز على الصفقات السريعة المربحة (المعادن، الطاقة، مكافحة الإرهاب).
– تجاهل شروط الديمقراطية وحقوق الإنسان: “واشنطن يجب ألا تتدخل في شؤون أفريقيا الداخلية” (نص وثيقة أجندة 2025).
2. قمة واشنطن المصغرة.. لماذا هذه الدول؟
– اختيار موريتانيا والغابون وغينيا بيساو وليبيريا والسنغال لم يكن عشوائيًا:
– جميعها *غنية بموارد غير مستغلة* (نفط، غاز، معادن).
– تقع في مناطق *التنافس مع النفوذ الروسي*.
– تطل على *المحيط الأطلسي* (استراتيجي لأمن الهجرة ومكافحة الإرهاب).
تحديات السلام.. هل يتكرر فشل الاتفاقيات السابقة؟
– 10 اتفاقيات سابقة فشلت بسبب:
– انعدام الثقة بين الأطراف.
– تنامي الجماعات المسلحة خارج سيطرة الحكومات.
– المخاوف من أن يصبح الاتفاق ورقة تفاوض للمعادن دون ضمانات حقيقية لاستقرار المنطقة.
السودان.. المحطة التالية للأجندة الأميركية؟
– إدارة ترامب تُنشط ملف السودان عبر:
– عقد اجتماع رباعي (السعودية، الإمارات، مصر، واشنطن).
– دعم تحالف “صمود” بقيادة *عبدالله حمدوك*.
– الهدف: *إحياء مفاوضات جدة* لوقف الحرب، مع مراعاة المصالح الأميركية في موارد السودان.
أفريقيا في عصر ترامب.. “مائدة مستديرة للمصالح”
اتفاق رواندا والكونغو نموذج لسياسة ترامب الجديدة: السلام كغلاف، والمصالح الاقتصادية والأمنية كجوهر. السؤال الأكبر: هل ستنجح واشنطن في تحويل القارة من “ساحة حروب” إلى “سوق مفتوحة” لاستنزاف مواردها، أم أن التنافس مع الصين وروسيا سيعيد رسم الخريطة من جديد؟
ردود الفعل الأفريقية والدولية.. بين التفاؤل والريبة
موقف القارة: ترحيب حذر
– الاتحاد الأفريقي: أشاد بالاتفاق لكنه طالب بـ”ضمانات تنفيذية” بعد فشل 10 اتفاقيات سابقة.
– تحذيرات من منظمات حقوقية:
– “الاتفاق يهمش ضحايا الحرب (6 ملايين قتيل ونازح)” – منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
– “ربط السلام بصفقات المعادن يُكرّس نهب الثروات” – شبكة “العدالة البيئية الأفريقية”.
الصين وروسيا.. صمت مشبوه
– الصين قالت إنها “تحترم سيادة الدول الأفريقية”، لكن مصادر دبلوماسية أفادت بأن بكين تُعدّ تحركات لتعويض خسائرها في الكونغو عبر زيادة استثماراتها في زامبيا المجاورة.
– روسيا حذّرت من “استغلال النزاعات لفرض هيمنة غربية”، في إشارة إلى دور شركة *”فاغنر”* المتنامي في جمهورية أفريقيا الوسطى.
تداعيات اقتصادية عالمية: من سيهيمن على سوق المعادن الإستراتيجية؟
صدمة أسواق البطاريات الكهربائية
– انخفاض أسعار *الكوبالت* بنسبة 15% بعد الإعلان عن الاتفاق بسبب توقعات بزيادة المعروض الأميركي.
– تحذير من “أوبك المعادن”:
– الكونغو تدرس تشكيل تحالف مع منتجي الليثيوم (تشيلي، أستراليا) لتنظيم الأسعار.
انتعاش أسهم الشركات الأميركية
– كوبولد ميتال قفزت أسهمها 22% بعد الإعلان عن توسعها في الكونغو.
– تسلا وإل جي تتفاوضان على عقود توريد طويلة الأجل مع واشنطن لتجنب اضطرابات سلسلة التوريد الصينية.
سيناريوهات مستقبلية: ماذا بعد الاتفاق؟
أفضل الحالات:
– نجاح الاتفاق يفتح الباب لصفقات أميركية-أفريقية جديدة (السودان، النيجر، زامبيا).
– تقليص النفوذ الصيني في وسط أفريقيا.
أسوأ الحالات:
– عودة الحرب بسبب انتهاكات تقسيم الموارد.
– تصاعد الاحتجاجات الشعبية في الكونغو ضد “التواطؤ مع الخارج”.
توصيات للدول الأفريقية: كيف تواجه لعبة الكبار؟
1. تشكيل تحالف أفريقي لمراقبة تنفيذ الاتفاقيات وضمان الشفافية.
2. فرض ضرائب تصدير عالية على المعادن الخام لتحفيز التصنيع المحلي.
3. التنويع الاقتصادي لتجنب الوقوع في فخ “اللعبة الأميركية-الصينية”.
الاتفاق ليس مجرد “صفقة سلام”، بل هو نموذج مصغر للحرب الباردة الجديدة على أفريقيا. السؤال الآن: هل ستستفيق النخب الأفريقية لتحويل مواردها من أداة صراع إلى ورقة ضغط؟