شهدت غزة الأحد واحدة من أكثر الهجمات دموية بحق الصحفيين منذ اندلاع الحرب، إذ قتلت غارة جوية إسرائيلية الصحفي البارز في قناة الجزيرة أنس الشريف، برفقة المراسل محمد قريقع والمصورين إبراهيم زاهر ومحمد نوفل ومؤمن عليوة، إضافة إلى الصحفي المستقل محمد الخالدي الذي استشهد لاحقاً متأثراً بجراحه.
الغارة استهدفت خيمة ميدانية كانت تُستخدم كموقع لتغطية التطورات الميدانية شمال قطاع غزة، في وقت تشهد فيه المدينة تصعيداً عسكرياً مكثفاً.
موقف الجيش الإسرائيلي وتبريراته
أقرّ جيش الدفاع الإسرائيلي بتنفيذ الغارة، متهماً الشريف بأنه “إرهابي وقائد خلية تابعة لحماس” يدير هجمات صاروخية وهو “متنكراً في هيئة صحفي”. واستشهد الجيش بـ”وثائق استخباراتية” تشمل قوائم موظفين وسجلات تدريب ورواتب، لكن لم يُتح لأي جهة مستقلة التحقق من هذه المزاعم.
هذه الادعاءات تكرّر نمطاً معروفاً، إذ دأبت إسرائيل على اتهام صحفيين فلسطينيين بالانتماء إلى مجموعات مسلحة عقب مقتلهم، ما يثير انتقادات واسعة من منظمات حقوقية.
ردود فعل المنظمات الحقوقية والإعلامية
مراسلون بلا حدود وصفت العملية بـ”القتل المعترف به” واعتبرت أنها جزء من سياسة ممنهجة لاستهداف الإعلام في غزة.
لجنة حماية الصحفيين أعربت عن “فزعها” الشديد، وأكدت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سارة القضاة أن “وصم الصحفيين بالمسلحين دون أدلة موثوقة يقوّض مصداقية إسرائيل ويكشف نواياها الحقيقية”.
المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك وصف الاغتيال بأنه “انتهاك جسيم للقانون الإنساني الدولي”، مطالباً بتحقيق مستقل.
إيرين خان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحرية التعبير، أعادت التذكير بأنها حذّرت سابقاً من استهداف الشريف، ووصفت الاتهامات الإسرائيلية السابقة بأنها “لا أساس لها” و”اعتداء صارخ على الصحفيين”.
السياق الأوسع لاستهداف الصحفيين
منذ بدء الحصار الإسرائيلي على غزة قبل 22 شهراً، قُتل نحو 200 صحفي، وفق إحصاءات حقوقية، كثير منهم في ضربات مباشرة وصفتها المنظمات بأنها قد ترقى إلى جرائم حرب. وتواجه إسرائيل اتهامات متكررة بمنع دخول الصحافة الأجنبية المستقلة إلى غزة، مما يترك الرواية الرسمية الإسرائيلية دون رقابة خارجية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن خططاً للسماح لعدد محدود من الصحفيين الأجانب بدخول القطاع، لكن بشرط مرافقة عسكرية، وهو ما رفضته جماعات حرية الصحافة باعتباره يهدد استقلالية التغطية.
تعليقات وشهادات مؤثرة
كين روث، المدير التنفيذي السابق لـ”هيومن رايتس ووتش”، قال: “كانت عملية قتل مستهدفة، والاتهامات الإسرائيلية التي لا أساس لها لا قيمة لها”.
باري مالون، الصحفي السابق في الجزيرة، وصف الشريف بأنه “عيوننا في غزة” لما كان يقدمه من عمق إنساني في تقاريره.
مصعب أبو توهة، الشاعر الفلسطيني الحائز على جائزة بوليتزر، اتهم الإعلام الغربي بـ”الصمت المطبق”، معتبراً ذلك “تواطؤاً” لا حياداً.
النائبة الأميركية براميلا جايابال أدانت العملية ودعت واشنطن لوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة.
الوصية الأخيرة لأنس الشريف
قبل أسابيع من مقتله، كتب الشريف رسالة مؤثرة لزوجته أم صلاح وابنه صلاح وأحبائه، جاء فيها:
“إن وصلتكم هذه الكلمات، فاعلموا أن إسرائيل نجحت في قتلي وإسكات صوتي… لا تنسوا غزة، ولا تنسوني من دعواتكم”.
هذه الكلمات أصبحت رمزاً لمعاناة الصحفيين الفلسطينيين الذين يخاطرون بحياتهم لنقل الحقيقة من قلب الحرب.
دعوات للتحقيق والمحاسبة
تزايدت المطالبات بإجراء تحقيق دولي مستقل وتفعيل آليات المساءلة، خاصة في ظل تكرار حوادث استهداف الصحفيين وغياب أي محاسبة. ويرى مراقبون أن هذه الحادثة قد تضيف ضغوطاً جديدة على إسرائيل في المحافل الدولية، لا سيما مع توثيق منظمات كبرى لانتهاكات ممنهجة ضد الإعلام.