في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، اهتزت طهران على وقع اغتيالات غير مسبوقة طالت قادة الصف الأول في المؤسسة العسكرية والأمنية.
فجأة، تحوّلت الحرب مع إسرائيل من مواجهة تقليدية إلى اختراق عميق داخل أجهزة القرار السيادي. وبينما تتوالى الروايات الرسمية، يكشف المشهد عن أزمة أمنية مركبة وأسئلة خطيرة حول قدرة النظام على حماية نفسه. هذا التقرير يرصد التفاصيل، والتحليلات، وردود الفعل السياسية في الداخل الإيراني.
الضربات الأمنية في تاريخها الحديث
استفاقت إيران، في يونيو الماضي، على واحدة من أكبر الضربات الأمنية في تاريخها الحديث، حيث فقدت في ساعات قليلة نخبة من قادة الصف الأول في مؤسساتها العسكرية، في عمليات نوعية نُسبت إلى إسرائيل، واستُخدمت فيها تقنيات متعددة: من الطائرات المسيّرة إلى العبوات الناسفة وصولًا إلى فرق اغتيال دقيقة التوقيت والمكان.
الضربة الأولى: رأس الهرم في مرمى النيران
في بيانات متلاحقة، أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة مقتل اللواء محمد باقري، رئيس الهيئة، برفقة عدد من معاونيه، بعد استهداف ما وصفته بـ”غرفة القيادة الميدانية” في موقع سري قرب العاصمة. ولم تمضِ ساعات، حتى أكد الحرس الثوري مقتل قائده العام اللواء حسين سلامي، ثم قائد القوات الجو-فضائية اللواء أمير حاجي زاده، في عمليات متزامنة.
بعدها بأيام، فجّرت وسائل الإعلام الرسمية مفاجأة أخرى: اغتيال العميد محمد كاظمي، رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري، بعبوة ناسفة داخل منشأة محصنة في طهران، في ما وُصف بعملية “اختراق داخلي شديد الحساسية”.
استهداف مركز القرار السيادي
وفي تطور يُظهر عمق الاختراق، كشفت وكالة أنباء “فارس” في 13 يوليو/تموز أن إسرائيل حاولت تصفية جماعية للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، خلال اجتماع حضره رؤساء السلطات الثلاث، بينهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في قبو محصن غرب طهران.
ووفقًا للتفاصيل التي نشرتها الوكالة، استُخدمت قنابل موجهة استهدفت مداخل ومخارج قاعة الاجتماعات وأنظمة التهوية، على غرار ما تم تداوله في تقارير قديمة عن محاولة اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله. وتمكن القادة من الفرار عبر فتحة طوارئ جانبية، فيما أصيب الرئيس بجروح طفيفة.
الرواية الرسمية: اعتراف بالثغرات وتعهد بالرد
أمام البرلمان، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان: “ما حدث ليس تصعيدًا تقليديًا بل حرب استخباراتية بكل ما تعنيه الكلمة. لقد تمكّن العدو من اختراقنا جزئيًا، ولكننا لن نسمح له بالتمدد. الرد قادم، وهو في طور الإعداد”.
من جانبه، أعلن المتحدث باسم الحرس الثوري العميد رمضان شريف أن “الضربات كشفت بعض الثغرات التي نعمل على سدّها، لكن إيران لم تفقد زمام المبادرة، ولدينا بنك أهداف جاهز للرد بما يتجاوز التوقعات”.
وأضاف أن العمليات نفّذت عبر “أدوات متعددة وبتواطؤ داخلي يجري التحقيق فيه على أعلى المستويات”.
آراء وتحليلات: بنية أمنية بحاجة إلى إصلاح جذري
داخل إيران، سادت حالة من القلق، وبدأت شخصيات سياسية بارزة بالتعبير عن صدمة مزدوجة: صدمة الخسارة، وصدمة الثقة بالأجهزة الأمنية.
المحلل العسكري المحافظ أحمد رضا بوردستان، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الجيش، أقر بوجود “سلسلة من الإخفاقات في الرصد والتقدير”، مشيرًا إلى أن “العدو استثمر سنوات طويلة في بناء شبكة من العملاء النائمين”.
أما الباحث في الشؤون الأمنية محسن زاهدي، فرأى أن “الضربات أظهرت أن المعركة لم تعد على الحدود بل في عمق المؤسسة”، مضيفًا: “نحتاج إلى هيكل استخباراتي جديد لا يتبع الهرمية السياسية، بل يُدار باحتراف أمني مستقل”.
وفي الاتجاه الإصلاحي، تساءل السياسي مصطفى تاج زاده عبر منصة داخلية: “متى سيحاسَب من تسبّب في هذا الاختراق؟ إصلاح الدولة يبدأ بإصلاح أجهزتها الأمنية وليس فقط بتغيير الخطاب السياسي”.
رسائل صامتة… ونظام لا يريد الظهور مهزوزًا
رغم جسامة الحدث، حافظت مؤسسات الدولة على هدوئها الظاهري. ففي أقل من 48 ساعة، تم تعيين قادة جدد للحرس الثوري وهيئة الأركان، وأعلن المرشد الأعلى علي خامنئي أن “دماء القادة لن تذهب سدى، وأن المعركة مستمرة”.
وبحسب مصادر حكومية، بدأت لجنة أمنية رفيعة بإعادة تقييم شامل لمقار القيادة، ونُقلت اجتماعات المجلس الأعلى للأمن القومي إلى مواقع بديلة مجهولة.
الخلاصة: اختبار الدولة العميقة… ومآلات الصراع القادمة
تبدو طهران اليوم في لحظة مفصلية. فالحرب التي اندلعت فجأة مع إسرائيل لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل لحظة انكشاف استخباراتي غير مسبوق.
وبين وعود الرد، وتعهدات بإعادة الهيكلة، ورسائل الطمأنة للداخل، تُطرح أسئلة جوهرية في الشارع السياسي:
هل بدأ العد التنازلي لإعادة بناء المنظومة الأمنية الإيرانية؟
وهل تبقى الحرب في الظل، أم أننا أمام جولات جديدة من التصعيد المباشر؟ والإجابة قد تحملها الأسابيع المقبلة… في طهران، أو ربما خارجها.