الشعر في فترة المماليك (648هـ/1250م – 923هـ/1517م) شهد تحولات ملحوظة نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي سادت تلك الحقبة، التي اتسمت بالاضطراب السياسي، وكثرة الحروب، وتنوع الثقافات، خاصة في مصر والشام، حيث كانت مراكز الحكم والعلم.
ملامح الشعر في عصر المماليك:
- الاستمرار والتقليد
اعتمد كثير من شعراء العصر المملوكي على تقليد الشعراء السابقين، خاصة شعراء العصر العباسي مثل المتنبي وأبو تمام والبحتري.
حافظوا على الأغراض التقليدية: المدح، الفخر، الرثاء، الغزل، والهجاء.
غلب على شعرهم الاهتمام بالصياغة والبديع أكثر من المعاني العميقة أو الابتكار.
- الضعف والانحدار
يُعد هذا العصر من العصور التي ضعف فيها الشعر من حيث المضمون والخيال والتعبير، مع بقاء الصياغة اللفظية المتقنة.
كثرت المحسنات البديعية والتكلف، مما أثر على عفوية الشعر وقوته.
ارتبط هذا الانحدار بالأوضاع السياسية غير المستقرة وغياب الرعاية الحقيقية للثقافة.
- أغراض جديدة
ظهرت موضوعات مثل:
الرثاء السياسي: لرثاء الدول والمدن المهدمة (مثل بغداد ودمشق في وجه الغزاة).
الشكوى والحنين إلى الماضي.
التصوف والزهد: نتيجة تدهور الأوضاع وانتشار الطرق الصوفية.
- اللغة والأسلوب
طغت اللغة الجزلة المقعرة، والتكلف اللفظي.
ظهر السجع والتورية والجناس بكثرة، حتى في غير مواضعها المناسبة.
أشهر شعراء عصر المماليك:
ابن نباتة المصري (686هـ – 768هـ) من أبرز شعراء العصر، تميز بالأسلوب البديعي
ابن الوردي (691هـ – 749هـ) شاعر ومؤرخ، له قصائد مشهورة في الحكمة والرثاء
الصفدي (696هـ – 764هـ) له مؤلفات أدبية ونقدية، وكان يجيد الشعر والنثر
ابن حجة الحموي (767هـ – 837هـ) برع في فن البديع وله ديوان “ثمرات الأوراق”
الخلاصة:
الشعر في عصر المماليك اتسم بـــ:
ضعف الإبداع وقوة الصناعة اللفظية.
استمرار الأغراض التقليدية مع بعض التجديد في المضمون.
سيادة الأسلوب البديعي والزخرف اللفظي.
ظهور النزعة الصوفية والزهدية في بعض الأعمال.
نموذج 1: من شعر ابن نباتة المصري
سَقَتْني الطُّرُوفُ سُلافَ الْكَرى
فَصِحْتُ: ألا إنّ هَذا الرُّواءْ
وَخَطَّ الحَنينُ على خَدّها
كُتُبَ الهوى بخُطوطِ الضياءْ
التحليل:
اللغة مزخرفة بالألفاظ البديعية (مثل: سلاف الكرى، خط الحنين).
التصوير الفني دقيق، لكنه أحيانًا يغلب عليه التعقيد.
استخدام الصور الحسية والتجريدية بشكل ملفت.
نموذج 2: من شعر ابن الوردي في الحكمة
اعتزل ذكر الأغاني والغزلْ
وقلِ الفُضْلَ فَهذا من عَقلْ
واتخذ دَيوانَ حِكمٍ واجعلِ الـ
علمَ نعمَ المُونِسَاتِ في المَحَلّْ
التحليل:
قصيدة زهدية تعليمية، تخاطب النفس.
أسلوب مباشر بسيط، فيه حكمة مستمدة من الثقافة الدينية.
تمثل الاتجاه الزاهد والأخلاقي في شعر بعض المماليك.