– دولة تتارستان (التتار): إحدى الكيانات الفدرالية في روسيا، (دولة إسلامية مُحتلة، مثل الشيشان)، ولكنها من أغنى دول المنطقة، والأولى في إنتاج وتصنيع النفط في روسيا.. تقع على السفوح الغربية لجبال الأورال الفاصلة بين آسيا وأوروبا، على بعد 800 كلم شرق موسكو، مساحتها 68000 كلم مربع، عاصمتها قازان، وهي واحدة من أكبر المدن في روسيا وأكثرها ازدهارا.. فهي تلقب بالعاصمة الثالثة بعد موسكو وسان بطرسبرغ.. ويقترب عدد سكانها من 7 ملايين نسمة من مختلف المجموعات العرقية،
.. استطاع المغول في 1237م، السيطرة على دولة تتارستان، وجعلوها نقطة انطلاقهم لغزو بلدان العالم العربي، وكانوا يضعون رجال التتار دروعا بشرية في حروبهم، ولذا كان الخطأ التاريخي الظالم، والخلط بين المغول والتتار.. وفي 1920 ضمت روسيا، تتارستان إليها، وما زالت دولة التتار المسلمة ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي (روسيا)
الأدب في تتارستان الإسلامية
يمثل أحد الفروع المضيئة للأدب الإسلامي في قلب آسيا الوسطى، وقد تشكل في حضن حضارة إسلامية عريقة جذورها تعود إلى دخول الإسلام إلى منطقة الفولغا في القرن العاشر الميلادي، وتحديدًا مع اعتناق شعب البُلغار الإسلام في عام 922م، تحت حكم الملك ألب ألطون.
أولًا: الخلفية التاريخية والأدبية
تتارستان، وهي إحدى الجمهوريات التابعة لروسيا الاتحادية اليوم، شهدت قيام حضارة إسلامية مزدهرة، ازدهر فيها الفقه، والتصوف، واللغة، والآداب، لا سيما بعد أن أصبحت قازان عاصمة لدولة قوية قبل أن يسقطها الروس عام 1552م.
وقد شكل الأدب التتاري منذ العصور الوسطى تجلّيًا للهوية الإسلامية، وكان وسيلة لمقاومة الاحتلال الثقافي الروسي، وظلّ يُكتب بالعربية ثم التركية العثمانية (العثمانية التتارية) حتى أواخر القرن التاسع عشر.
ثانيًا: خصائص الأدب الإسلامي في تتارستان
- اللغة والهوية:
استخدم التتار اللغة التتارية بالحرف العربي، متأثرين بالعربية والفارسية والتركية.
سادت القصائد الدينية والمواعظ والموشحات الصوفية.
- الطابع الديني والأخلاقي:
الأدب وسيلة للدعوة إلى التقوى، والعدل، والصبر، ومقاومة الظلم.
تأثيرات القرآن والحديث واضحة في الاستعارات والمضامين.
- الأدب الصوفي:
شيوع القصائد الروحية المتأثرة بالتصوف، خاصة من طرق كالنقشبندية.
ظهور شعراء مثل قُلا محمد وعبد الرحمن أقشور الذين كتبوا في الحب الإلهي والفناء في الله.
- مقاومة الاستعمار:
بعد احتلال قازان، صار الأدب التتاري وسيلة للمحافظة على الهوية الإسلامية ومواجهة سياسة الترويس.
الشاعر الكبير عبد الله توقاي (1886–1913)، أحد أبرز رموز النهضة، دعا عبر شعره إلى التمسك بالدين والحرية.
ثالثًا: أبرز الأعلام في الأدب التتاري الإسلامي
عبد الله توقاي: شاعر النهضة الحديثة، دعا إلى التعليم باللغة التتارية، واستنهض الهمم بمزيج من الأصالة والحداثة.
قُلا محمد: أحد أوائل الشعراء الإسلاميين في تتارستان، نظم قصائد بالعربية والتركية.
كريم تمر: كاتب ومفكر إسلامي، له مساهمات في الأدب الديني والاجتماعي.
رابعًا: التحولات الحديثة والتحديات
في القرن العشرين، وتحديدًا بعد الثورة البلشفية، واجه الأدب الإسلامي التتاري قمعًا شديدًا، وفرضت الحروف الكريلية بدل العربية.
رغم ذلك، حافظ بعض الكتّاب على جذورهم الإسلامية، خاصة في المهجر.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عاد الاهتمام بالأدب الإسلامي في تتارستان، وأُعيد نشر التراث القديم.
خامسًا: أهمية الأدب التتاري الإسلامي
يعد هذا الأدب شاهدًا على تفاعل الإسلام مع الثقافة التركية-الروسية.
يمثل نموذجًا للثقافة الإسلامية المقاومة التي ظلت حية رغم القمع والاضطهاد.
يعكس قدرة المسلمين على التعبير عن هويتهم الدينية بلغة فنية راقية.
نماذج مختارة من شعراء تتارستان الإسلامية، يمثلون مراحل مختلفة من تطور هذا الأدب الإسلامي التتاري، وخاصة في القرون الوسطى وحتى بدايات العصر الحديث.
1. قُلا محمد (القرن 14م): شاعر الزهد والتقوى
أحد أوائل الشعراء الإسلاميين في تتارستان، نظم أشعاره باللغة التتارية بالحرف العربي، وتأثر بالقرآن والتصوف، وكان معلمًا وشيخًا دينيًا.
من قصيدته “رحلة القلب”:
قلبي سقيمٌ بالذنوب،
يبكي إذا ذُكر الغيوب،
يا ربّ إن كنتُ المسيء،
فرجائي رحمةُ الغيوب.
هذه الأبيات تعبّر عن الزهد والخشية، وهي من السمات المميزة للأدب الإسلامي التتاري القديم، حيث تُساق الحكمة في أبيات بسيطة ومباشرة.
2. عبد الرحمن أقشور (القرن 17م): شاعر الحب الإلهي
شاعر تتري صوفي، استخدم الرموز الصوفية العميقة، ويُعتقد أنه تأثر بمولوية الرومي، وكان يشير إلى الفناء في الذات الإلهية.
من مقطوعة “نور المحبوب”:
باسمك بدأتُ، وفيك انتهى أمري،
أنا ظلّك في المدى، وفنائي سرّي.
علّمتني أن لا أراك بعين،
بل بقلبٍ سكنَ النورَ في سري.
هذا الشعر يعكس تصوفًا فلسفيًا عميقًا، يعيدنا إلى صدى أدب الحلاج وجلال الدين الرومي.
3. صَعب الدين بن جلال (القرن 15م): شاعر الحكمة
له دواوين تعليمية وأخلاقية، كان يعظ بها الطلاب في المدارس الإسلامية بـقازان وبولغار، وغالبًا ما يُستشهد به في أدبيات النهضة.
من أبياته المشهورة:
من عاش في الدنيا لهوًا،
ضاعتْ عليه الآخرةُ.
واحرص على علمٍ يُنجي،
فالجهل باب الخاسرة.
كان يستخدم هذه الأبيات ضمن دروسه، وهدفه تربية الأجيال علميًا ودينيًا.
ملامح مشتركة بين هؤلاء الشعراء:
التأثر بالقرآن الكريم والحديث الشريف.
طغيان الطابع الصوفي والزاهد.
استخدام الحرف العربي في الكتابة، مما ربط التتار بالعالم الإسلامي الأوسع.
اهتمامهم بالتعليم والتربية، لأن أغلبهم كانوا شيوخ علم.
حتى أواخر القرن 19، كان الأطفال في تتارستان يدرسون هذه الأشعار في الكتاتيب، إلى جانب القرآن الكريم والفقه، وظلت حاضرة في الذاكرة الشعبية حتى بعد الاحتلال الروسي؟