الأثنين مايو 20, 2024
الأزهر وشيوخه الكبار تقارير سلايدر

الأزهر وعلماؤه.. 90 عامًا من الدفاع عن الأقصى وفلسطين

أبوبكر أبوالمجد| الأزهر الشريف، بناه الفاطميون لإفساد دين الله، فأبى الله أن يكون إلا لله.. فالدولة الفاطمية المذهبية الشيعية التي أرادت السيطرة على عواصم كبريات الدول السنية في مصر والعراق والشام والحجاز، وتغيير عقيدتها، وطمس هويتها، وأرادت الأزهر مركزًا لإنجاز هذه المهمة الفكرية، رحلت وبقي الأزهر بعدها ثمان قرون ونصف، يملأ الدنيا نورًا وهداية، ويحفظ لله دينه، وشرعه، وقضايا المسلمين، فكان بحق قلعة الدين، وجامعة العلم، وحصن قضايا الأمة وعلى رأسها القدس الشريف.

قضية القدس

بعدما ضعفت قبضة الخلافة العثمانية على البلاد والأراضي التابعة لها، عبثت الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا بها، وتمكنت بصورة أو أخرى فرض نفوذها عليها، وشرعت في تنفيذ مخططاتها المتعلقة بتوطين الصهاينة على الأرض العربية (فلسطين المحتلة)، فربما كانت نكبتنا الكبرى أعلنت في 15 مايو 1948؛ لكن إرهاصاتها بدأت قبل ذلك بثلاثة عقود على الأقل.

الفتاوى

 

أهل الفتوى في الإسلام هم القادة والقدوة في أوقات المحن والشدائد، والنبراس، وينتظر جموع المسلمين فتاويهم ليهتدوا بها ويسيروا على خطها الذي ترسمه، وثمة فتاوى عديدة تتصل بالقضية الفلسطينية بدءًا من ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الآن، وتأثرت الفتاوى كثيرًا بالأوضاع السياسية، سلمًا وحربًا.

وصدرت فتوى بعد قرار التقسيم سنة 1947 بوجوب الجهاد، ثم ظهرت سنة 1956 فتوى أخرى بتحريم الصلح مع إسرائيل، كما صدرت عن لجنة الفتوى بالأزهر في السنة التي وقع فيها العدوان الثلاثي على مصر، ثم صدرت فتوى سنة 1979 في السنة التي شهدت زيارة السادات تل أبيب؛ أوضح فيها الشيخ جاد الحق جواز الصلح مع إسرائيل لتحقيق مصلحة المسلمين (بدّل الشيخ موقفه فيما بعد نتيجة لسياسة إسرائيل).

الأزهر قلعة وحصن

 

دعا الأزهر الشريف إلى الجهاد ضد الكيان المحتل، وأوجبه على كل مسلم حتى تحرير القدس وجميع الأراضي الفلسطينية، وأصدر الأزهر الشريف البيانات المساندة للقضية الفلسطينية، ورفض قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، ونظم المظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية، وقام الأزهر الشريف بجمع التبرعات لمساندة الفلسطينيين، واستقطع علماء الأزهر الشريف أجزاء من رواتبهم لصالح القضية الفلسطينية وقاموا بجمع 27000 جنية عام 1947.

 

فتاوى الأزهر

 

للأزهر الشريف تاريخ عريق في مناصر قضية فلسطين، ففي عام 1929 حذر شيخ الأزهر الاحتلال البريطاني من سيطرة اليهود على حائط البراق، وفى عام 1935 أصدرا العالمان الأزهريان الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ أمين الحسينى ، فتوى بتحريم بيع الأراضي لليهود، وفى عام 1936 قام شيوخ وطلاب الأزهر بمظاهرات لدعم ثورة فلسطين الكبرى.

 

وفى عام 1937 انطلقت مظاهرات ضخمة في الأزهر رفضا لمشروع “لجنة بيل” لتقسيم فلسطين، وفى عام 1938 دعت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في بيان لها للحفاظ على عروبة القدس، وفى عام 1939 أحتج الأزهر على وضع قوة من البوليس البريطاني في المسجد الأقصى، أما في عام 1947 أعلن علماء الأزهر رفضهم لقرار تقسيم فلسطين، وصدرت فتوى علماء الأزهر بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية المسجد الأقصى؛ حيث قام علماء الأزهر بتوجيه ندائهم إلى أبناء الإسلام بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية الأقصى، وذلك بعد قرار تقسيم فلسطين الذي وافقت عليه الجمعية العموميَّة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947، والذي يقضي بإقامة دولة يهوديَّة وأخرى فلسطينيَّة على أرض فلسطين، وهو القرار الذي يُعدُّ اليوم أساساً لما يسمى بقرارات (الشرعية الدولية) فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

 

وقد وقَّع على هذه الفتوى 26 عالماً من علماء الأزهر، كـان مـنهـم: الشيـخ محمـد حسـنين مخـلوف، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد دراز، وغيرهم من أهل العلم والفضل والدين.

 

وممَّا جاء في هذه الفتوى قول العلماء: (إنَّ قرار هيئة الأمم المتحدة قرار من هيئة لا تملكه، وهو قرار باطل جائر ليس له نصيب من الحق والعدالة؛ ففلسطين مُلك العرب والمسلمين بذلوا فيها النفوس الغالية والدماء الزكيَّة، وستبقى ـ إن شاء الله ـ مُلك العرب والمسلمين رغم تحالف المبطلين، وليس لأحد كائناً من كان أن ينازعهم فيها أو يمزقها) وفى عام 1948  أصدر الشيخ حسنين مخلوف، والتي دعا فيها للجهاد لإنقاذ فلسطين والأماكن المقدسة، وكانت هذه الفتاوى بمثابة نداء للمسلمين عامة من أجل نصرة القضية الفلسطينية، وحرمت هذه الفتاوى بيع أرض فلسطين لليهود، ونادت بمقاطعة هؤلاء اليهود، وأقرت أن من يتعامل معهم من المسلمين ويساعدهم بأنه مرتد عن دين الإسلام فيفرق بينه وبين زوجه ويحرم عليها الاتصال به ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين وهو خارج زمرة المسلمين.

 

وفي 14 ديسمبر 1948م خرجت أكبر مظاهرة من نوعها في الشرق الأوسط شارك بها علماء الأزهر الشريف وكبار القساوسة والعديد من وفود الدول العربية المختلفة لنصرة القضية الفلسطينية.

وفى سنة 1958م أصدر شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت تصريحاً ينص على ضرورة مقاومة إسرائيل والقضاء عليها وإعادة اللاجئين إلى ديارهم، ودعا شيخ الأزهر الشريف محمود شلتوت إلى عقد مؤتمر في 1959م لبحث شؤون فلسطين.

 

مواقف لا تنسى لكبار الأئمة

 

لم ينته دعم الأزهر الشريف لقضية فلسطين بعد انتهاء الحرب، بل استمرت الفتاوى والنداءات والبيانات في الصدور، ففي المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية عام 1965 طالب المجتمعون الدول الإسلامية التي اعترفت بحكومة دولة الاحتلال في ذلك الحين أن تسحب اعترافها وأن تتوقف الدول والشعوب الإسلامية تعاونها مع الكيان، وأكد في توصياته أن قضية فلسطين هي قضية المسلمين جميعاً وأنه لن يهدأ بال حتى تعود الأرض المقدسة لأهلها، لأن في وجود إسرائيل خطراً يهدد المسجد الأقصى والطريق إلى الحرمين الشريفين وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم «لذلك كان الدفاع عن فلسطين والعمل على تحريرها فرضاً على كل مسلم وكان القعود عنه إثما كبيراً».

 

 وقد أصدر الأزهر بيانه أيضاً قبل حرب يونيو 1967 بشأن الاعتداء على فلسطين بأن الاعتداء عليها وبقاء إسرائيل فى الأرض المقدسة خطر على المقدسات الإسلامية بها وتهديد للمسجد الأقصى ولطريق الحرمين الشريفين ودعا المسلمين إلى المشاركة فى المعركة وعدم التخلف عنها وأن من يتخلف فهو آثم.. كما دعا البيان المسلمين جميعًا لقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل، وعلى الرغم من الهزيمة فى الحرب إلا أن بيانا صدر عن مجمع البحوث الإسلامية صدر فى السنة التى تليه يؤكد البيان السابق ذكره وأن أسباب وجوب القتال والجهاد كلها قد أصبحت متوافرة بعد العدوان الإسرائيلى، ودعا المؤتمر إلى إنشاء صندوق لتمويل كفاح أبناء الشعب الفلسطينى ورعاية أسر المجاهدين والشهداء.

 

عبدالحليم محمود

 

الشيخ عبد الحليم محمود الذي تولى مشيخة الأزهر في الفترة بين مارس 1973 وحتى وفاته عام 1978، أصدر فتواه في هذا الشأن حيث بين أن «عرب فلسطين أخرجوا من ديارهم بغير حق، وشتتوا وشردوا ومن بقى فيها الآن من العرب ينكل بهم ويعذبون.. والواجب على جميع الدول الإسلامية أن تهب لنجدتهم وللعمل على أن تعود فلسطين عربية، وعلى أن تتحرر من هذه الشرذمة الأفاقة.. فالحرب الحالية هي جهاد وهى دفاع عن المقدسات».

 

جاد الحق

 

وعندما قرر الكونجرس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أصدر الإمام الراحل، جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر، بيانا صريحا وواضحا أدان فيه العدوان الصهيوني المستمر علي القدس، والقرار الأمريكي، وقال: (إن أمريكا تزعم أنها صديقة كل العرب، وهي أصدق في صداقتها بإسرائيل تؤيدها وتدفعها لمزيد من العدوان علي العرب وحقوقهم، وتساعدها في وضع العراقيل نحو إتمام عملية السلام التي تتظاهر بدعمها, لكنه دعم غير عادل فهو دعم للمعتدين الظالمين واستهانة وهدم لقرارات منظمة الأمم المتحدة.

 

إن الأزهر الشريف يرفض هذا القرار الظالم من أمريكا، التي تسعي في إتمام عملية السلام؛ ولكن هذا القرار أكد أن دعاة السلام صاروا دعاة للغدر والاغتيال للأرض والعرض والمقدسات لا يرعون حقا للغير، ولا يدعون إلي خير، وإنما يسعون في الأرض فسادًا .

 

ورفض الإمام الراحل سياسة التطبيع مع إسرائيل ما استمرت في اغتصابها للأرض العربية، وكان مما قاله: (لا سلام مع المغتصبين اليهود، ولا سلام إلا بتحرير الأرض العربية)، ورفض زيارة المسلمين للقدس بعدما أفتي بعض العلماء بجواز ذلك بعد عقد اتفاقية أوسلو عام 1993م بين السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات والحكومة الصهيونية بقيادة إسحاق رابين, وأعلنها الإمام الراحل بعزة المؤمن الذي لا يخشي إلا الله.

 

(إن من يذهب إلي القدس من المسلمين آثم آثم.. والأولي بالمسلمين أن ينأوا عن التوجه إلي القدس حتي تتطهر من دنس المغتصبين اليهود، وتعود إلي أهلها مطمئنة يرتفع فيها ذكر الله والنداء إلي الصلوات، وعلي كل مسلم أن يعمل بكل جهده من أجل تحرير القدس ومسجدها الأسير).

 

وعلي أثر هذا النداء القوي من الإمام الراحل دعا البابا شنودة بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في مصر هو الآخر المسيحيين لعدم زيارة القدس.

 

وكان للإمام الراحل موقف واضح وقوي من رفض التطبيع فقد رفض أن يستقبل الرئيس الإسرائيلي عيزرا وايزمان، إبان زيارته للقاهرة، وبعد عقد اتفاقية أوسلو عام 1993، مما سبب حرجًا شديدًا للحكومة المصرية وللرئيس الصهيوني.

 

وكان لفضيلته مواقف شجاعة في التصدي للممارسات الإسرائيلية الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، فأدان الحادث الإجرامي البشع الذي قام به يهودي متطرف عندما قتل عشرات المصلين الفلسطينيين في شهر رمضان داخل الحرم الإبراهيمي عام 1994م، وقد سبق وأيد الإمام الراحل الانتفاضة الفلسطينية المباركة، والعمليات الاستشهادية للمجاهدين الفلسطينيين، مؤكدًا علي أن تحرير القدس لن يتم إلا بالجهاد والاستشهاد في سبيل الله.

 

ورفض الإمام الراحل ما تردد عن حصول إسرائيل علي مياه النيل من خلال مشروع ترعة السلام, وقال مقولته الشهيرة: ؛إن حصول إسرائيل علي مياه النيل أصعب من امتلاكها سطح القمر .

وعن الأسري المصريين الذين قتلتهم إسرائيل عمد ا إبان حرب  يونيو 1967 وأثارتها الصحافة المصرية، قال فضيلته: (القتل العمد ضد أسرانا يستحق القصاص).

 

موقف الدكتور سيد طنطاوي

 

الإمام الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الراحل، تولى من عام 1996 حتى عام 2010 حيث قال “إن تلك الزيارة لن تتم فى ظل الاحتلال الاسرائيلى، وإن ذلك ينطبق على كل علماء المؤسسة الأزهرية الذين يتبنون الموقف نفسه”، وقال أيضاً :”أرفض زيارة القدس وهى مكبلة بسلاسل قوات الاحتلال الاسرائيلية، لأن زيارة أى مسلم لها فى الوقت الراهن يُعد اعترافاً بمشروعية الاحتلال الاسرائيلى، وتكريساً لسلطته الغاشمة”.

 

موقف الإمام الطيب

 

أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رفض الأزهر لكل المطامع الصهيونية التي تستهدف تغيير الواقع الزماني والمكاني للحرم القدسي والمسجد الأقصى المبارك، وأن حرم المسجد الأقصى المبارك هو محيط إسلامي بالكامل ولن يقبل بأي تقسيم زماني أو مكاني، والحديث عن هذا التقسيم هو عبث وتزوير وامتداد للسلوك الصهيوني القائم على تزييف الحقائق واغتصاب الحقوق والأراضي ومحاولة تغيير الواقع التاريخي للقدس ومعالمه الإسلامية والمسيحية.

وأكد الإمام الأكبر أن الأزهر ماض في دعم الشعب الفلسطيني بكل السبل الممكنة وبكل ما أتيحت له من وسائل وإمكانات، ومستمر في تأهيل الكوادر الفلسطينية لتكون قادرة على حمل راية النضال في كل المجالات الطبية والصحية والدعوية والتعليمية، مشيرا إلى إن الأزهر حريص على الاضطلاع بنصيبه في الدفاع عن فلسطين من خلال إتاحة الفرص لأبنائه من طلاب فلسطين بدراسة الطب والصيدلة والهندسة والعلوم الشرعية والعربية وذلك من خلال المنح التعليمية في مختلف المراحل التعليمية الأزهرية.

وثيقة الأزهر

 

“وثيقة الأزهر عن القدس الشريف” التي صدرت عام 2011، دليل هام على أن الأراضي الفلسطينية المحتلة صفحة لا ولن يسمح الأزهر الشريف بطيها، حيث أكد فيها على عروبة القدس، والتي تضرب في أعماق التاريخ لأكثر من ستين قرنا.. مشيرًا إلى أنها بناها العرب اليبوسيون في الألف الرابع قبل الميلاد.. أي قبل عصر أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- بواحد وعشرين قرنًا.. وقبل ظهور اليهودية التي هي شريعة موسى -عليه السلام- بسبعة وعشرين قرنا.

 

وأكدت الوثيقة أن تهويد القدس فاقدٌ للشرعية القانونية، فضلا عن مخاصمته لحقائق التاريخ التي تعلن عروبة القدس منذ بناهها العرب اليبوسيون قبل أكثر من ستين قرنا من الزمان.

 

وأشارت الوثيقة إلى أن الوجود العبرانى في مدينة القدس لم يتعد 415 عامًا بعد ذلك، على عهد داود وسليمان -عليهما السلام- في القرن العاشر قبل الميلاد.. وهو وجود طارئ وعابر حدث بعد أن تأسست القدس العربية ومضى عليه ثلاثون قرنًا من التاريخ.

 

 وأشارت الوثيقة إلى أنه إذا كان تاريخ القدس قد شهد العديد من الغزوات والغزاة، فإن عبرة التاريخ تؤكد دائما أن كل الغزاة قد عملوا على احتكار هذه المدينة ونسبتها لأنفسهم دون الآخرين.. صنع ذلك البابليون والإغريق والرومان وكذلك الصليبيون.. ثم الصهاينة الذين يسيرون على طريق هؤلاء الغزاة، ويعملون الآن على تهويدها واحتكارها والإجهاز على الوجود العربي فيها.

Please follow and like us:
Avatar
صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب