أثار تصريح الأمير خالد بن بندر بن سلطان آل سعود، سفير المملكة العربية السعودية في المملكة المتحدة، جدلاً واسعاً بعد تداوله على نطاق واسع في يوليو 2025. في مقابلة أُجريت عام 2022 بجامعة أكسفورد، قال الأمير: “لا علاقة لنا بالدين.. نحن مجرد قبيلة فازت بالحرب”، في إشارة إلى تأسيس الدولة السعودية. هذا التصريح، الذي نُشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، أثار تفاعلاً كبيراً وتفسيرات متباينة حول دلالاته التاريخية والسياسية. يستعرض هذا التقرير التصريح في سياقه، مع تحليل خلفيته وردود الفعل التي أعقبته.
يعود تاريخ التصريح إلى مقابلة أُجريت في أبريل 2022 خلال جلسة حوارية في جامعة أكسفورد، حيث ناقش الأمير خالد بن بندر تاريخ المملكة العربية السعودية وهويتها. وفقاً لمصادر، أُعيد تداول الفيديو بشكل مكثف في يوليو 2025 عبر منصة X، مما أثار نقاشات حول شرعية الحكم في السعودية. يُشار إلى أن تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1744 بميثاق الدرعية بين محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، كان تحالفاً بين القوة القبلية والدعوة الدينية، مما يجعل تصريح الأمير محط جدل لتأكيده على البعد القبلي دون الديني.
الأمير خالد بن بندر بن سلطان (مواليد 1977)، هو دبلوماسي سعودي بارز، يشغل منصب سفير المملكة في بريطانيا منذ مارس 2019. وهو نجل الأمير بندر بن سلطان، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية وسفير المملكة في الولايات المتحدة لأكثر من عقدين. تلقى الأمير خالد تعليمه في كلية إيتون وجامعة أكسفورد، وعمل في الأمم المتحدة وأكاديمية ساندهيرست العسكرية، مما يعكس خلفيته الأكاديمية والدبلوماسية الرفيعة.
في تصريحه، قدم الأمير خالد تفسيراً علمانياً لتأسيس الدولة السعودية، مؤكداً أن شرعيتها تستند إلى انتصار قبلي وسياسي وليس ادعاءً دينياً. وقال: “كل القادة في الشرق الأوسط على مر الزمان قالوا إنهم يرتبطون بالنبي محمد ليعطوا أنفسهم شرعية في الحكم، نحن لم نفعل ذلك، نحن قبيلة من البدو فازت في الحرب”. هذا التصريح يتماشى مع توجهات رؤية 2030 التي تسعى لتقليص نفوذ المؤسسة الدينية في السياسة وتعزيز صورة المملكة كدولة عصرية.
يبدو أن التصريح موجه للجمهور الغربي، خاصة في بريطانيا، حيث يعمل الأمير خالد كسفير. يعكس ذلك محاولة لتخفيف الصورة النمطية عن السعودية كدولة دينية متشددة، وتقديمها كقوة سياسية تقوم على أسس تاريخية وقبلية. كما يتماشى مع تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي قلل من دور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تأسيس الدولة، معتبراً إياه داعية وليس مؤسساً سياسياً.
أشار الأمير إلى أن “الحضارة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة استغرقت جيلاً واحداً فقط، ثم انتقلت إلى دمشق”، مضيفاً أن الجزيرة العربية لم تكن مركزاً إلا مرتين: عند ظهور الإسلام ومع اكتشاف النفط في السبعينيات. هذا التفسير يعزز فكرة أن الدور الديني للمملكة ليس أساسياً في شرعيتها، بل يرتبط بإنجازات سياسية واقتصادية.
التأييد
رأى بعض المستخدمين على منصة X أن التصريح يعكس شفافية وصدقاً في التعامل مع تاريخ المملكة. وكتب أحد المستخدمين: “الأمير صادق في قوله، حكم آل سعود قائم على الغلبة والقوة، وليس الدين”. هؤلاء يرون أن التصريح يعكس محاولة لتقديم صورة عصرية للسعودية تتماشى مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية.
الانتقادات
في المقابل، اعتبر آخرون التصريح تجاوزاً خطيراً، خاصة في ظل دور السعودية كحامية للحرمين الشريفين. وأشار ناشطون إلى أن نفي العلاقة بالدين قد يُفسر كمحاولة لدعم سياسات التطبيع مع إسرائيل أو التغريب. وكتب أحد المعلقين: “كيف يمكن لسفير دولة الحرمين أن ينفي الدين؟ هذا تنازل عن هويتنا الإسلامية”. كما ربط البعض التصريح بإخفاقات سياسية، مثل حرب اليمن، التي أقر الأمير بفشل السعودية فيها خلال المقابلة.
الجدل الديني
أثار التصريح نقاشاً حول شرعية الحكم في الإسلام. اعتبر بعض المعلقين أن التصريح يناقض مبدأ الشورى، حيث يرى البعض أن الحكم الإسلامي يجب أن يقوم على الاختيار وليس الوراثة أو القوة القبلية. وكتب أحد الناشطين: “الحكم بالغلبة لا يتماشى مع الإسلام الذي يقوم على الشورى واختيار الحاكم”.
تأسيس الدولة السعودية
بدأت الدولة السعودية الأولى عام 1744 بتحالف ميثاق الدرعية، حيث جمعت القوة القبلية لآل سعود والدعوة الدينية للشيخ محمد بن عبد الوهاب. هذا التحالف مكّن آل سعود من توحيد نجد والتوسع عبر انتصارات عسكرية على قبائل أخرى، مثل بني خالد والعثمانيين. ومع ذلك، يبدو أن تصريح الأمير يركز على الجانب القبلي لهذا التأسيس، متجاهلاً الدور الديني الذي لعبه التحالف مع الوهابية.
كسفير في بريطانيا، يسعى الأمير خالد إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الغرب. تصريحه يعكس محاولة لتقديم السعودية كدولة تقوم على أسس سياسية واقتصادية، بعيداً عن التصورات الدينية. كما أشار في مقابلات أخرى إلى أن التطبيع مع إسرائيل يتطلب حل القضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، مما يعكس توازناً في السياسة الخارجية.
تصريح الأمير خالد بن بندر بن سلطان يمثل محاولة لإعادة تعريف هوية الدولة السعودية من منظور قبلي وسياسي، بعيداً عن الرواية الدينية التقليدية. ورغم أن التصريح قد يكون موجهاً للجمهور الغربي لتعزيز صورة المملكة العصرية، إلا أنه أثار جدلاً واسعاً بين مؤيد يراه خطوة نحو الشفافية ومنتقد يعتبره تنازلاً عن الهوية الإسلامية.