مقالات

الإخوان المسلمون.. هل هم أسرى المظلومية أم لاعبون في السياسة الدولية؟

أحمد هلال

تُتهم جماعة الإخوان المسلمين بأنها لا تزال أسيرة خطاب المظلومية، وأنها توظف هذا الخطاب لاستدرار التعاطف الشعبي وتعزيز شرعيتها السياسية، خاصة بعد كل موجة قمع تتعرض لها. لكن على الجانب الآخر، يرى الواقع أن الجماعة تجاوزت هذه المرحلة منذ عقود، ولم تتوقف عند محطات القمع، بل استطاعت الانتشار عالميًا، والتأثير في السياسات الدولية والإقليمية. فكيف يمكن لجماعة تُتهم بأنها “مجرد ضحية” أن تكون محور اهتمام القوى الكبرى وتسعى الأنظمة الحاكمة في المنطقة لمحاربتها؟

الإخوان وتجاوز خطاب المظلومية دون المطالبة بتعويضات

1- الإخوان لم يطالبوا برد الاعتبار أو التعويضات رغم سنوات القمع

منذ نشأتها في عام 1928، تعرضت جماعة الإخوان المسلمين لموجات متكررة من القمع، بدءًا من العهد الملكي في مصر، ثم خلال حكم عبد الناصر، والسادات، ومبارك، وأخيرًا بعد انقلاب 2013.

ومع ذلك، لم يُسجل تاريخ الجماعة أن  قياداتها أو أعضائها تقدم أحدهم  بطلب رسمي للحصول على تعويض مالي أو قانوني عن فترات الاعتقال أو المطاردة السياسية.

أو على الأقل لم يكن ذلك من أولويات الجماعة ولا من توجهاتها.

في دول أخرى، طالبت الحركات السياسية التي تعرضت للاضطهاد برد اعتبار وتعويضات بعد تغيير الأنظمة،

لكن الإخوان لم يسلكوا هذا المسار، ولم يجعلوا من معاناتهم وسيلة للمطالبة بمكاسب قانونية أو مالية.

حتى بعد ثورة يناير 2011، لم تطالب الجماعة بمحاسبة من اضطهدها في العهود السابقة،

بل سعت إلى التفاهم مع مؤسسات الدولة والمشاركة في العملية السياسية.

لم تحاول الجماعة تقديم نفسها كضحية على المستوى القانوني الدولي،

رغم أن ذلك كان ممكنًا في إطار قضايا العدالة الانتقالية، بل ركزت على استعادة دورها السياسي والمجتمعي.

2- تجاوز الماضي والانطلاق إلى العمل السياسي والمجتمعي

لو كانت الجماعة أسيرة خطاب المظلومية، لكان من الطبيعي أن تتخذ من تاريخ القمع مبررًا للابتعاد عن العمل السياسي والاجتماعي، لكنها لم تفعل ذلك:

بعد الإفراج عن معتقليها في عهد السادات، عادت الجماعة للعمل المجتمعي بقوة،

وسيطرت على النقابات المهنية والجامعات، وأصبحت رقمًا صعبًا في المشهد السياسي المصري.

في فترة مبارك، رغم التضييق الأمني، خاض الإخوان الانتخابات البرلمانية وحصلوا على مقاعد بارزة،

مما يؤكد أنهم تجاوزوا فكرة “الضحية” واتجهوا إلى الفعل السياسي.

بعد ثورة يناير، لم تستغل الجماعة مظلوميتها للانتقام، بل أسست حزبًا سياسيًا،

ودخلت الانتخابات، ووصلت إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، وهو سلوك يتناقض مع أي خطاب استجداء أو استعطاف.

من خطاب الضحية إلى لاعب مؤثر في السياسة الدولية

إذا كان الإخوان مجرد جماعة غارقة في خطاب المظلومية، فلماذا تحظى بهذا التأثير الواسع في العالم العربي والإسلامي،

ولماذا تسعى القوى الكبرى للحد من انتشارها؟

1- الوجود القوي في المجتمعات الإسلامية والعربية

الإخوان ليسوا مجرد كيان سياسي محلي، بل شبكة واسعة تمتد إلى مختلف الدول الإسلامية والعربية، حيث يتواجدون في مجالات متعددة:

في دول مثل تونس والمغرب والأردن والكويت، أصبحوا جزءًا من المنظومة السياسية، وشاركوا في الحكومات والبرلمانات.

في مناطق أخرى مثل مصر والخليج، رغم الحظر والملاحقة، لا تزال الجماعة تمتلك نفوذًا قويًا في الأوساط الاجتماعية والدينية والسياسية.

لديهم شبكات تربوية وتعليمية، وجمعيات خيرية، وكيانات اقتصادية، مما يجعلهم جزءًا من النسيج المجتمعي في العديد من الدول.

2- التأثير في السياسة الدولية والإقليمية

لا يمكن وصف جماعة بأنها “ضحية” بينما تتعامل معها القوى الدولية والإقليمية باعتبارها لاعبًا مؤثرًا في المشهد السياسي.

بعد ثورات الربيع العربي، كانت الجماعة محورًا رئيسيًا في التحولات السياسية،

حيث وصلت إلى الحكم في مصر وتونس، وأصبحت جزءًا من الحكم في المغرب والأردن.

تعاملت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، وحتى الصين، مع الإخوان في فترات مختلفة باعتبارهم قوة سياسية واجتماعية لا يمكن تجاهلها.

حتى الأنظمة التي تعادي الإخوان لا تتعامل معهم باعتبارهم مجرد جماعة مقموعة، بل ترى فيهم تهديدًا سياسيًا يستوجب المواجهة والتضييق.

3- لماذا تسعى الدول الكبرى والإقليمية للحد من انتشار الإخوان؟

لو كانت الجماعة مجرد حركة سياسية ضعيفة، فلماذا تسعى الأنظمة الإقليمية والدولية لشيطنتها ومحاربتها؟

العديد من الأنظمة العربية جعلت “مكافحة الإخوان” جزءًا أساسيًا من سياساتها،

سواء من خلال القمع الأمني، أو الحملات الإعلامية، أو تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية.

بعض القوى الدولية، رغم أنها لا تصنف الإخوان كإرهابيين، إلا أنها تراقب نفوذ الجماعة وتتعامل معها بحذر شديد، مما يدل على مدى تأثيرها.

في المقابل، تحظى الجماعة بدعم من بعض القوى التي ترى فيها تيارًا معتدلًا قادرًا على قيادة المجتمعات الإسلامية نحو إصلاح سياسي،

مما يعكس حجم التباين في المواقف الدولية تجاهها.

أخيرا

اتهام الإخوان بأنهم أسرى خطاب المظلومية يتناقض مع واقعهم كأحد أكثر التيارات الإسلامية انتشارًا وتأثيرًا في العالم العربي والإسلامي.

عدم مطالبتهم بتعويضات عن عقود من القمع، وتجاوزهم للمراحل الصعبة دون استجداء العطف،

يؤكد أنهم قوة سياسية واجتماعية تسعى للفعل وليس مجرد ضحية تنتظر الإنصاف.

كما أن الاهتمام الكبير من قبل القوى الدولية والإقليمية بمحاصرتهم، يدل على أنهم لاعب رئيسي في معادلات السياسة العالمية، وليسوا مجرد جماعة تعيش في “عقلية الزنزانة”.

فهل يمكن حقًا وصف جماعة تتصارع الدول الكبرى للحد من نفوذها بأنها “مجرد ضحية”؟

أحمد هلال

حقوقي وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights