الإيكونوميست: هذه خسائر روسيا في البحر المتوسط بعد سقوط نظام الأسد
قالت مجلة ” الإيكونوميست” البريطانية أن روسيا بدأت تخسر نفوذها في البحر المتوسط بعد الإطاحة بنظام الأسد علي يد معارضة إسلامية تبدي تحفظات علي استمرار القواعد العسكرية الروسية في الأراضي السورية
وقالت المجلة في تقرير لها :لعقود، ارتبط نفوذ روسيا في البحر المتوسط بعائلة الأسد في سوريا، في عام 1971، أصبح حافظ الأسد – والد بشار الأسد، الذي كان ديكتاتور سوريا حتى الأسبوع الماضي – رئيسًا للبلاد. وفي نفس العام، وقعت الاتحاد السوفيتي اتفاقية مع سوريا لاستئجار ميناء طرطوس على الساحل السوري.
وأشار تقرير الصحيفة الذي ترجمته “جريدة الأمة الاليكترونية “أن هذا الوجود العسكري الروسي المستمر أصبح الآن على المحك، بعد الانهيار السريع لنظام الأسد. يبدو أن الكرملين تجنب انسحابًا فوضويًا، لكن نفوذه على الجناح الجنوبي لحلف الناتو من المرجح أن يتراجع.
وتابعت :بالنسبة لروسيا، كانت سوريا شريكًا مهمًا قبل فترة طويلة من تمزقها في الحرب الأهلية. قال فيكتور تشيركوف، قائد البحرية الروسية آنذاك، في عام 2012: “هذا الميناء ضروري لنا. لقد كان يعمل وسيستمر في العمل”.
توسع الوجود الروسي في سوريا بشكل كبير في عام 2015 عندما تدخلت روسيا لإنقاذ نظام الأسد من تقدم المتمردين. أرسلت طائرات إلى قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية شمالًا لضرب المتمردين، ونشرت قوات بحرية في طرطوس، التي كانت شبه مهجورة في التسعينيات.
وفيما يتعلق بالوضع الحالي في طرطوس وحميميم أوضحت المجلة إلي أنه لم يتم إخلاء طرطوس بعد، لكن صور الأقمار الصناعية التي حللها مراقب السفن “إم تي أندرسون” تظهر أن السفن الحربية الروسية كانت تبتعد حوالي 8 كيلومترات غرب الميناء، بعيدًا عن الخطر.
من جهة أخرى، صرحت البحرية الإسرائيلية في 10 ديسمبر بأنها استخدمت صواريخ مضادة للسفن لتدمير سفن حربية سورية حول خليج ميناء البيضاء وميناء اللاذقية.
يحدث هذا في وقت قال متحدث باسم الكرملين إن روسيا اتخذت “خطوات ضرورية لإقامة اتصال في سوريا مع من يمكنهم ضمان أمن القواعد العسكرية”. يبدو أن إحدى هذه الخطوات تضمنت تبني نبرة أكثر تصالحية تجاه الأشخاص الذين كانت روسيا تقصفهم سابقًا. وسائل الإعلام الروسية توقفت عن وصف المتمردين بـ”الإرهابيين” وبدأت تشير إليهم بـ”المعارضة المسلحة”.
وتحدث تقارير المجلة البريطانية عن خسائر استراتيجية محتملة لروسيا قائلة :إذا اضطرت روسيا في نهاية المطاف لمغادرة سوريا، فسيكون لذلك تأثير كبير على وضعها البحري.
وعادت للقول :رغم أن الوجود الروسي في طرطوس كان متواضعًا – مجموعة صغيرة من الغواصات والفرقاطات – إلا أن هذه السفن كانت تحمل صواريخ طويلة المدى قادرة على ضرب أهداف للناتو في جنوب أوروبا.
كما أن طرطوس كانت محطة لوجستية مهمة بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 عندما قيدت تركيا الوصول إلى البحر الأسود.
وبدون طرطوس، ستصبح العمليات البحرية الروسية في البحر المتوسط أقصر وأغلى وأقل انتظامًاومع هذا فهناك عدد من الخيارات البديلة، مثل الجزائر ومصر، رغم أنه تبدو غير مرجحة بسبب المخاوف الجيوسياسية.
كما أن المفاوضات الروسية لبناء قاعدة بحرية في السودان لم تثمر بسبب ضعف البنية التحتية هناك. وربما تنظر روسيا إلى طبرق في ليبيا، حيث يسيطر خليفة حفتر الذي تربطه علاقات وثيقة بروسيا لكن بدون تطوير البنية التحتية، ستكون هذه المواقع بدائل ضعيفة لطرطوس
ومن المهم التأكيد علي أن تداعيات فقدان قاعدة حميميم ستشكل ضربة أخرى لروسيا، لكنها أقل أهمية مقارنة بطرطوس. القاعدة الجوية كانت مركزًا مهمًا للقوة الجوية الروسية، وموقعها بين روسيا وأفريقيا سمح بإمداد القوات المرتزقة الروسية في ليبيا والسودان ومالي.
وفي عام 2017، منحت سوريا روسيا عقد إيجار لمدة 49 عامًا للقاعدة، وتم توسيع مدرجاتها لاستيعاب الطائرات الأكبر حجمًا. استخدمت القاعدة كنقطة انطلاق لقاذفات القنابل الاستراتيجية الروسية، التي شنت هجمات تحاكي استخدام صواريخ مضادة للسفن ضد حاملات الطائرات البريطانية في البحر المتوسط عام 2021.
لكن القاعدة يمكن استبدالها نسبيًا بسهولة. وفقًا لخبراء، يمكن لروسيا استخدام ثلاث قواعد جوية بديلة في ليبيا، وتشير التقارير إلى أن الأفراد والمعدات بدأوا بالفعل في مغادرة حميميم.
وقبل تسع سنوات، تدخل روسيا في سوريا كان علامة على عودتها كقوة عسكرية كبرى خارج أوروبا. في ذلك الوقت، كان الرئيس فلاديمير بوتين، بعد غزوه شرق أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، يسعى لإظهار قوة جوية حاسمة على بعد آلاف الكيلومترات من وطنه. لكن الأحداث الأخيرة تمثل تراجعًا حادًا في حظوظ موسكو.
قالت سابين فيشر، من معهد SWP في برلين: “سقوط الأسد يمثل ضربة كبيرة لحلم بوتين بجعل روسيا لاعبًا عالميًا في عالم متعدد الأقطاب بعد الغرب”.
كتب فيودور لوكيانوف، محلل مقرب من الكرملين، أن الحكام الجدد في سوريا “يُظهرون انطباعًا بالعقلانية والتحضر”، مؤكدًا أن الأولوية المطلقة لروسيا الآن هي أوكرانيا. وخلص إلى أن روسيا أفضل حالًا كقوة إقليمية تركز على أوروبا.
وافقه الرأي رسلان بوخوف، خبير في مركز”كاست “في موسكو، الذي أشار إلى أن روسيا، رغم نجاحها السريع في سوريا، فشلت في تحقيق انتصار سياسي دائم. وكتب بوخوف: “الأمريكيون مروا بتجارب مماثلة في العراق وأفغانستان، لكن الروس، وفقًا لتقاليدنا الوطنية، يجب أن يكرروا نفس الأخطاء بأنفسهم
”.