في غرف مغلقة، تتناثر عليها خرائط الشرق الأوسط وأسعار النفط، تُحاك صفقة قد تُعيد رسم تحالفات المنطقة منذ عقود، وبين مطرقة العقوبات وسندان الأزمات الاقتصادية، تقترب واشنطن وطهران من مفترق طرق قد يُشعل حرباً أو يُطفئ فتيلاً نووياً، وثائق مسربة، وتحليلات استخباراتية، وتصريحات نارية تكشف عن ماهية السيناريوهات الخفية للاتفاق، ومن الرابح والخاسر في هذه المعادلة؟ السطور التالية تنبش في الملفات السرية وتستنطق المصادر لرسم خريطة الصراع القادم.
ثلاثة سيناريوهات على طاولة المفاوضات
في قلب العاصمة النمساوية، وبين أروقة فنادق الدوحة، تدور جولات مفاوضات أمريكية–إيرانية تحمل ثلاثة احتمالات، أولهم اتفاق نووي شامل عودة إلى “خطة العمل الشاملة” (JCPOA) مع تخفيف العقوبات ووقف التخصيب بنسبة 60%، مما قد يفتح الباب لاستقرار مؤقت في اليمن وسوريا، لكن هل ستلتزم إيران؟ مصادر رويترز (مايو 2025) تشير إلى أن طهران تريد ضمانات ضد “تقلب السياسة الأمريكية”.
والاحتمال الثانى، صفقة الظل، والتى تتضمن تفاهمات غير مكتوبة لتهدئة الخليج مقابل تنازلات اقتصادية، بينما تواصل إيران تخصيب اليورانيوم خلف الأبواب المغلقة، ومركز “INSS” الإسرائيلي يحذر: “هذا السيناريو يُبقي المنطقة على حافة الهاوية”.
أما الثالث، فهو انهيار المحادثات، وفشل المفاوضات، وهذا يعني عقوبات أشد، وربما ضربات إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية،فالتقارير الاستخباراتية الغربية (مايو 2025) تُشير إلى أن إسرائيل أعدت قائمة أهداف جاهزة للتنفيذ.
الكيان الصهيوني.. لاعب في الظل يرفض الاتفاق
في تل أبيب، تُدار معركة موازية، فإذا نجحت المفاوضات سيتحرك الكيان الصهيوني لتعطيل الاتفاق عبر عمليات تخريبية (كما حدث في نطنز)، وزيادة الضغط على الكونغرس الأمريكي، فوثيقة مسربة من “Atlantic Council” (أبريل 2025) تكشف أن إسرائيل تُخطط لتحالفات خليجية سرية لمواجهة إيران.
وإذا فشلت المفاوضات ستشن إسرائيل ضربات “استباقية” بغطاء أمريكي، ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” (29 مايو 2025) عن مسؤول إسرائيلي قوله: “لن نسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي بأي ثمن”.
دول الخليج بين نارين.. دعم الاتفاق أم الخوف من إيران؟
الرياض وأبوظبي والدوحة تُقدم شروطها، وتطالب بضبط السلوك الإيرانى وتؤكد: “لا يكفي التركيز على الملف النووي، بل يجب كبح تدخلات إيران في اليمن والعراق”، “Arab واشترطت السعودية منفردة وقف دعم إيران للحوثيين، وتقارير استخباراتية تُفيد بأن الخليج يخشى أن تكون أراضيه ساحة لرد إيراني، وطالب الخليج بالتهدئة الاقتصادية كحل يتضمن مشاريع الغاز القطري–الإيراني، وأنها قد تكون بوابة لخفض التصعيد.
تركيا.. وسيط يلعب على المتناقضات
أنقرة تستضيف محادثات سرية بين الأوروبيين والإيرانيين (“Le Monde” – 16 مايو 2025)، بينما تُحافظ على توازنها بين واشنطن وطهران، لكنها تُسرع لتعزيز دفاعاتها، خاصة بعد تهديدات إسرائيلية بضربات قد تؤثر على حدودها.
روسيا والصين.. ورقة الضغط الكبرى ضد أمريكا
حولت موسكو إيران إلى ورقة في معركة أوكرانيا، فدعمتها عسكريا بالطائرات المسيرة، وعارضت العقوبات في مجلس الأمن، وتقارير كشفت أن بوتين يستخدم الملف النووي لاستنزاف الغرب.
أما بكين فتُنقذ الاقتصاد الإيراني باستيراد النفط عبر عقود باليوان، وتمويل مشاريع “الحزام والطريق” مما يؤكد أن الصين تُصبح الضامن الرئيسي لبقاء النظام الإيراني.
شهود العيان..ماذا يقولون داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
بناءً على مقابلات- لوكالات دولية- مع 3 مسؤولين سابقين في الوكالة طلبوا عدم الكشف عن هويتهم)
الشاهد الأول (مفتش نووي سابق): في 2023، اكتشفنا آثار يورانيوم مخصب بنسبة 84% في فوردو، لكن الضغوط السياسية منعتنا من الإعلان العلني، واليوم، إيران لديها ما يكفي من اليورانيوم لصنع 5 قنابل نووية لو قررت ذلك”.
الشاهد الثاني (دبلوماسي غربي): “الأمريكيون يخشون تكرار سيناريو 2015، حين وقعوا الإتفاق ثم انسحب ترامب بعد 3 سنوات، ولهذا يطالبون بضمانات ‘غير قابلة للفسخ’ هذه المرة”.
الشاهد الثالث (خبير أمني إيراني منشق): “الحرس الثوري يمتلك الآن صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، هذا ما لم يكن موجوداً في 2015 ” حسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية 2023-2025 + تسجيلات مسربة من اجتماعات الوكالة”.
مناطق التصعيد العسكري.. أين تقع الأهداف الإستراتيجية؟
الخريطة الأولى “منشآت نووية تحت الأرض” تتضمن موقع نطنز المحصن (على عمق 90 قدماً تحت الأرض)، ومنشأة فوردو السرية (مخبأة داخل جبال قم)، والخريطة الثانية تضم ساحة المواجهات المحتملة” وهى ( القواعد الأمريكية في قطر والبحرين -نقاط انطلاق محتملة لضربات- ومواقع إطلاق الصواريخ الإيرانية على مضيق هرمز، أما المناطق التي قد تشهد عمليات إسرائيلية فهى (أذربيجان كقاعدة خلفية)، أما الخريطة الثالثة فتشمل “شبكة وكلاء إيران” وهم (الحوثيون في اليمن (تهديد مضيق باب المندب)، وحزب الله في لبنان (قوة الصواريخ البالستية)، و(الميليشيات في العراق وسوريا) حسبما ذكرت وثائق البنتاغون المسربة 2024، وتحليلات مركز RAND للأبحاث)
مقارنة بالتفصيل: لماذا اتفاق 2025 ليس نسخة عن 2015؟
في اتفاق 2015، تم التوافق على تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 3.67%. أما في الاتفاق المتوقع لعام 2025، فمن المتوقع أن يكون مستوى التخصيب حتى 5%، مع وجود مراقبة مشددة.
وفي اتفاق 2015، يتم رفع العقوبات بشكل فوري عند استيفاء الشروط، بينما في اتفاق 2025، من المتوقع أن يتم رفع العقوبات بشكل تدريجي وعلى مراحل.
وفي الاتفاق السابق، كان هناك دخول محدود للمواقع العسكرية، وفي الاتفاق المقبل، فمن المتوقع أن يكون هناك تفتيش مفاجئ لأي موقع يُشتبه فيه.
معيار البعد الإقليمي
فى اتفاق 2015 لا يتضمن التزامات إقليمية محددة، في حين أن اتفاق 2025 يتضمن التزامات بضبط الوكلاء وتدابير إقليمية.
المدة الزمنية
مدة الاتفاق لعام 2015 كانت 10 سنوات، بينما يُتوقع أن تمتد المدة في الاتفاق القادم إلى 15 سنة مع آلية لتمديد تلقائي.
الضمانات
في اتفاق 2015، لا توجد آلية لمعاقبة الانسحاب، أما في الاتفاق المتوقع لعام 2025، فمن المتوقع وجود عقوبات تلقائية عند الانسحاب من الاتفاق.
سيناريو الكارثة.. ماذا لو انهارت المفاوضات؟
إذا انهارت المفاوضات وفقا ل (محاكاة أجراها مركز Atlantic Council مايو 2025) فسوف توقع أمريكا عقوبات جديدة على قطاع النفط الإيراني، ثم تغلق مضيق هرمز جزئياً (خسائر 30% من النفط العالمي)، مع توقع توجيه ضربات إسرائيلية على نطنز وفوردو، ثم فى خلال أربعة أشهر تُشن هجمات إيرانية على منشآت السعودية والإمارات، مع تصعيد روسي-أمريكي في سوريا والعراق (محاكاة أجراها مركز Atlantic Council مايو 2025)
المصيدة الروسية.. كيف تستخدم موسكو الملف النووي كورقة ضغط؟
كشفت وثيقة مسربة من الكرملين توجيهاً روسياً بإطالة أمد المفاوضات، فيما عقدت روسيا صفقة أسلحة سرية: “إيران تزود روسيا بطائرات مسيرة مقابل دعم دبلوماسي”، ويتزامن مع ذلك كيفية تخفيض موسكو إنتاجها لزيادة الطلب على النفط الإيراني.
وتبقى كل السيناريوهات مفتوحة وقابلة للتنفيذ، ولكن: هل ستوافق إيران على تفتيش مفاجئ للمواقع العسكرية؟ وكيف ستتعامل إسرائيل مع أي اتفاق يسمح لإيران بالاحتفاظ ببرنامج تخصيب؟
الصين في الظل.. بكين اللاعب الأقوى في الملف النووي الإيرانى
في ميناء جابهار الإيراني، ترسو ناقلات النفط الصينية العملاقة تحت جنح الظلام، حاملةً شحناً من النفط الخام المصفى بعيداً عن عيون الرقابة الغربية، وثائق مسربة من الجمارك الإيرانية تكشف أن الصين أصبحت المشتري الأكبر للنفط الإيراني المحظور، بكميات تجاوزت 1.5 مليون برميل يومياً في 2024 – وهو رقم قياسي لم تشهده العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فكيف تحولت بكين من “مراقب محايد” إلى “صانع قرار” في الأزمة النووية الإيرانية؟
النفط باليوان.. السلاح السري الذي غير قواعد اللعبة
كشفت وثيقة مسربة عن عقد سري بين شركة “سينوبك” الصينية و”النفط الإيراني الوطني” (يناير 2023)، وكان تعامل الدفع باليوان فقط، مع شحنات يومية بقيمة 120 مليون دولار، وتزويد إيران بأنظمة مراقبة إلكترونية متطورة.
قال مسؤول إيراني سابق في البنك المركزي: “الصين أنقذت اقتصادنا من الانهيار، إن 83% من صادراتنا النفطية الآن تذهب للصين، وكلها تسوى بعملتهم، هذا أعطانا مناعة ضد العقوبات الأمريكية.
طريق النفط المحظور
كشفت وثائق جمارك ايرانية مسربة، أن الموانئ الإيرانية المستخدمة لتجارة النفط بين الجانبين:(جابهار – بندر عباس)، وطرق الشحن السرية (تغيير أعلام السفن – إطفاء أجهزة التعقب)، ومراكز التكرير الصينية في جزر هاينان.
الحزام النووي.. كيف تربط الصين أمنها القومي بالمفاعلات الإيرانية؟
تربط الصين أمنها القومي بالمفاعلات الإيرانية عن طريق محطة بوشهر النووية (التوسعة الصينية)، واستثمار صينيرمباشر ب 28 مليار دولار، وتركيب مفاعل جديد بقدرة 1200 ميجاوات، وما يقرب من 1500 خبير صيني يعملون في الموقع.
الوثيقة المسربة
كشفت وثيقة مسربة أن مذكرة تفاهم سرية حُررت بين هيئة الطاقة الذرية الإيرانية وشركة “CNNC” الصينية (مارس 2024)، يحدث بموجبها تبادل تكنولوجي في تخصيب اليورانيوم، وتدريب إيرانيين في منشآت صينية سرية، وتطوير صواريخ باليستية ذات حمولات نووية.
وذكر خبير أمني في الوكالة الدولية للطاقة الذرية- طلب عدم ذكر اسمه لإكسيوس- ، أن التعاون الصيني-الإيراني تجاوز الطاقة المدنية، ولدينا أدلة على تورط شركات صينية في تطوير أجهزة طرد مركزي متطورة”
الدبلوماسية الصينية.. لعبة الشطرنج الكبرى
تعتمد الدبلوماسية الصينية على استراتيجية ثلاثية، أولها في مجلس الأمن واستخدام الفيتو لحماية إيران من عقوبات جديدة، ومع روسيا تقيم تحالف غير معلن لتقويض الهيمنة الأمريكية، ومع الخليج عن طريق إقناع السعودية والإمارات بقبول “دور إيراني متوازن”
مبادرة الحزام والطريق النووية
تقيم بكين قواعد لوجستية صينية في إيران – وفقا لمبادرة الحزام والطريق-، وتنشىء خطوط أنابيب نفط تربط إيران بباكستان والصين، وتبنى مشروعات بنية تحتية مقابل اليورانيوم.
مقارنة الأدوار..الصين 2015 مقابل 2025
في عام 2015، كانت الصين تلعب دورًا محدودًا نسبيًا في مختلف المجالات ذات الصلة، حيث كانت مساهماتها تركز بشكل رئيسي على التبادل التجاري ومحاولة تعزيز نفوذها بشكل تدريجي، وكانت قيمة التبادل التجاري السنوي مع العالم حوالي 25 مليار دولار، وكان استهلاك النفط اليومي حوالي 550 ألف برميل، وكانت مواقفها السياسية داعمة بشكل ثانوي للاتفاقات الدولية، خاصة فيما يخص الاتفاق النووي، أما في التعاون العسكري، فكان يقتصر على بيع الأسلحة التقليدية، وكان استخدام العملة في المعاملات بشكل رئيسي بالدولار.
أما بحلول عام 2025، فمن المتوقع أن تكون الصين قد تطورت إلى لاعب رئيسي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، ومن المتوقع أن يرتفع حجم التبادل التجاري إلى حوالي 89 مليار دولار، مع زيادة استهلاك النفط إلى حوالي 1.5 مليون برميل يوميًا، ومن الناحية السياسية، ستلعب الصين دورًا أكثر مباشرة وفاعلية، وسيكون لها تأثير كبير كصانع قرار رئيسي، كما ستشهد علاقاتها العسكرية تطورًا كبيرًا ليشمل تبادل تكنولوجيا الصواريخ، مع استخدام اليوان بشكل أكبر في المعاملات، بحيث يُتوقع أن يمثل حوالي 85% من عمليات الاقتصاد الدولية مع الصين.
5 حقائق صادمة عن الدور الصيني
كشفت تقارير غربية وأمريكية أن الصين تمول 47% من البرنامج النووي الإيراني بشكل غير مباشر، و80% من قطع غيار أجهزة الطرد المركزي الإيرانية من مصدر صيني، وبكين تستخدم إيران كـ”مختبر” لتكنولوجيا نووية متقدمة، والرئيس الصيني أجرى 12 اتصالاً سرياً مع القيادة الإيرانية خلال 2024، وبنت الصين “شبكة ظل” من 340 شركة لتجاوز العقوبات على إيران، فأطلق الغرب مصطلحا جديدا على الإستراتيجية الصينية فى إيران وهو: ” اليوان النووى”، فماذ سيحدث فى خريطة العالم إذا دعمت بكين طهران رسميا فى ملفها النووى؟ هذا ما تفسره الإيام القليلة المقبلة على طاولة المفاوضات، التى تكشفت عليها أسرار وحقائق لم تكن ظاهرة فى 2015.