وسط تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في الضفة الغربية المحتلة، تتكشف معالم مشروع ضمّ تدريجي يتجاوز التصريحات الرمزية إلى وقائع تُفرض ميدانيًا بقوة الاحتلال.
وبحسب وكالة “قدس برس” الفلسطينية فإن القرار الأخير ـ”للكنيست”، الذي يعتبر الضفة الغربية “جزءًا لا يتجزأ من الوطن التاريخي للشعب اليهودي”، ليس مجرد إعلان رمزي، بل خطوة مدروسة ضمن سلسلة تحركات عسكرية وسياسية تهدف إلى تثبيت السيطرة الإسرائيلية وإعادة هندسة الجغرافيا والسكان بما يخدم مشروع التهجير وفرض “الوطن البديل”.
وقال المحلل السياسي محمد القيق إن “الكنيست الإسرائيلي، في ظاهره، أبدى تأييدًا لمقترح الضم، لكن ما هو أعمق من ذلك يتمثل في الإجراءات المتسارعة على الأرض، سواء من قبل جيش الاحتلال أو المستوطنين، الذين يتحركون ضمن تنسيق عالٍ لإقصاء الفلسطينيين عن المشهد الجغرافي المتناثر، الذي يُراد إعادة تشكيله بما يخدم مشروع الضم”.
وأوضح القيق في حديث لـ”قدس برس”، أن “الاحتلال يعمل حاليًا على السيطرة على الأراضي الزراعية والمراعي ومنابع المياه، كما يسعى إلى تقزيم مساحة البلدات الفلسطينية البعيدة عن مراكز الكثافة السكانية، تمهيدًا لإجبار سكانها على مغادرتها”.
وأضاف أن “إسرائيل تتحرك على مستويين: الأول، تهيئة المجتمع الإسرائيلي لتقبّل قرارات الضم بوصفها أمرًا طبيعيًا؛ والثاني، خلق حالة نفسية في أوساط الفلسطينيين تدفعهم للتسليم بالأمر الواقع، في ظل سلطة فلسطينية فاسدة ومتراخية، ما يجعل المواطن الفلسطيني بين خيارين أحلاهما مرّ: إما البقاء تحت سلطة لا تملك أدوات الصمود، أو القبول النفسي بفكرة الضم، وإن كان ذلك في اللاوعي”.
واختتم القيق بالقول إن “غياب الرواتب، وتعليق تحويلات المقاصة، وتدهور الوضع الاقتصادي، كلها أدوات ضغط ممنهجة تمارسها إسرائيل لإرغام الفلسطينيين على التكيّف مع الوقائع الجديدة”، مشيرًا إلى أن “ما يجري ليس فقط فرض سياسات على الأرض، بل تهيئة شاملة على المستويين النفسي والدولي لتمرير مشروع الضم”.
من جانبه، أشار المحلل السياسي ياسر الزعاترة إلى أن “قرار الكنيست اعتبار الضفة الغربية (جزءًا لا يتجزأ من الوطن التاريخي للشعب اليهودي) يمثّل في جوهره صفعة مهينة للنظام العربي الرسمي بأكمله، خاصة أنه يأتي في ذروة حرب إبادة وتجويع غير مسبوقة في بشاعتها”.
وأوضح الزعاترة في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) أن القرار، “رغم طابعه الرمزي في القراءة الأولى، يُعد تمهيدًا واضحًا لمشروع الضم الكامل، يعقبه التهجير، وصولًا إلى فرض “الوطن البديل” كأمر واقع”.
وأكد أن “ما يسعى إليه الغزاة ليس قدرًا محتومًا، فـمن عجزوا عن إخضاع مقاومة صغيرة ومحاصَرة، بل متآمَر عليها من القريب قبل البعيد، لن يتمكنوا من تركيع أمة بأكملها، حتى وإن خذلتها أنظمتها”.
واختتم الزعاترة بالقول إن “ما يجري اليوم ليس فقط استهدافًا للأرض والحقوق، بل هو تذكير صارخ لمن أضاعوا البوصلة وتاهت أولوياتهم، ممن جعلوا من المقاومة خصمًا بدل أن تكون سندًا”.
وكان برلمان الاحتلال الإسرائيلي (الكنيست)، صوّت الأربعاء الماضي، على بيان يدعم فرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية المحتلة، بمبادرة من أعضاء الكنيست “سيمحا روتمان، أوريت ستروك، دان إيلوز، وعوديد فورير”. وقد أيد البيان 71 نائباً، مقابل معارضة 13 نائباً.
ويُدرج هذا التحرك ضمن محاولات اليمين الإسرائيلي لتكريس واقع الاحتلال في الضفة الغربية من خلال خطوات تشريعية، خاصة بعد أن كثّفت الحكومة الحالية مشاريع الاستيطان والإجراءات الهادفة إلى ضمّ مساحات واسعة من أراضي الضفة.