في خطوة تعكس تصاعد التوترات الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة والبرازيل، أعلنت الحكومة البرازيلية عن تقديم طلب رسمي إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) لإجراء مشاورات ثنائية مع الولايات المتحدة، بعد فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 50% على مجموعة من المنتجات البرازيلية الأساسية، مثل القهوة واللحوم.
واعتبرت البرازيل هذه الرسوم انتهاكًا واضحًا لالتزامات الولايات المتحدة الدولية ومبدأ المعاملة بالمثل داخل منظمة التجارة العالمية، حيث أكدت وزارة الخارجية البرازيلية أن ما يقرب من ثلث صادرات البلاد إلى السوق الأميركية أصبح الآن خاضعًا لقيود جمركية قاسية تؤثر على تنافسية المنتجات البرازيلية في الأسواق العالمية.
بحسب مراقبين، فإن القرار الأميركي لا يندرج فقط تحت بند السياسة التجارية، بل يتقاطع مع الأوضاع السياسية الداخلية في البرازيل. حيث أوضحت مصادر رسمية أن واشنطن تهدف من هذه الرسوم إلى الضغط على حكومة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بعد اتخاذها إجراءات قضائية ضد الرئيس البرازيلي السابق جاير بولسونارو، المعروف بقربه من ترامب.
وترى الإدارة الأميركية أن “السياسات الحالية في البرازيل تشكّل تهديدًا للأمن القومي والمصالح الاقتصادية الأميركية”، في حين وصف مراقبون الخطوة بأنها “رد انتقامي مغلف بغطاء اقتصادي”.
في موقف حاسم، رفض الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا الدخول في حوار مباشر مع نظيره الأميركي ترامب، وقال في تصريح نقلته وسائل إعلام محلية:
“الحديث المباشر مع واشنطن في ظل هذه الرسوم سيكون بمثابة إذلال ورضوخ غير مقبول… وسنستخدم كل الوسائل القانونية والدبلوماسية المتاحة لحماية مصالح البرازيل الوطنية”.
وأكدت وزارة الخارجية البرازيلية أن هذه الرسوم تمثل خرقًا واضحًا لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية، لا سيما المادة المتعلقة بـ”عدم التمييز”، مشيرة إلى أن بعض السلع أُعفيت بشكل انتقائي، مثل عصير البرتقال وبعض مكونات قطاع الطيران المدني، ما يعزز فرضية الاستخدام السياسي للقرارات الاقتصادية.
بموجب قواعد منظمة التجارة، فإن طلب المشاورات يعتبر المرحلة الأولى من حل النزاعات، حيث يتعين على الطرفين (في هذه الحالة، البرازيل والولايات المتحدة) الدخول في محادثات ثنائية لمدة تصل إلى 60 يومًا. وفي حال فشل الطرفان في الوصول إلى اتفاق، يمكن للبرازيل رفع دعوى رسمية أمام هيئة تسوية المنازعات التابعة للمنظمة، وهي هيئة لها صلاحية فرض عقوبات تجارية في حال ثبوت المخالفات.
ويُعد هذا التحرك تصعيدًا نادرًا بين أكبر اقتصادات أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية، وقد يؤثر على مجالات تعاون أخرى بين البلدين، بما في ذلك ملف المناخ والتعاون الدفاعي.
وفقًا لتحليلات اقتصادية، فإن الرسوم الأميركية قد تؤثر سلبًا على قطاعات حيوية في الاقتصاد البرازيلي، أبرزها:
القهوة البرازيلية، التي تُعد من أهم صادرات البلاد وتمثل جزءًا كبيرًا من الحصة العالمية.
اللحوم المصنعة، والتي تعتمد البرازيل على تصديرها بشكل مكثف نحو السوق الأميركية.
قطاع الأغذية والمشروبات، الذي يتأثر من ارتفاع التكاليف الجمركية.
من المتوقع أن تسعى البرازيل إلى تنويع أسواق التصدير وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، وهو ما قد يعزز علاقاتها التجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي.