تراجعت بشدة آمال إسرائيل في تحقيق تطبيع تاريخي مع المملكة العربية السعودية، بعد أن كانت هذه الآمال قاب قوسين أو أدنى قبل اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، بحسب ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
قبل الحرب، كانت الدولة العبرية ترى في نفسها لاعبًا إقليميًا منتصرًا بعد عقود من الصراع مع جيرانها، حيث بدت قوى مثل حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والحوثيون في اليمن، وحتى إيران، إما مُحاصَرة أو في طور الانكفاء. أما في الخليج، فقد كانت التوجهات تميل، ظاهريًا، نحو تقارب حذر مع إسرائيل، خاصة من جانب السعودية.
لكن كل شيء تغيّر بعد أكتوبر. يقول محللون للصحيفة إن الطموح الإسرائيلي بفتح علاقات دبلوماسية وتجارية مع الرياض بات بعيد المنال، مع تعثر الجهود السياسية، وزيادة الرفض الشعبي في العالمين العربي والإسلامي لأي تقارب لا يمر عبر حل عادل للقضية الفلسطينية، وهو ما أصبح اليوم يبدو أبعد من أي وقت مضى.
إسرائيل أمام واقع جديد: قوة بلا شرعية دولية
على الجانب الأمني، ترى إسرائيل نفسها لأول مرة منذ تأسيسها عام 1948 وقد قلّصت التهديدات المباشرة من حدودها إلى أدنى مستوى. فإيران لم تعد تشكل التهديد النووي نفسه، وحماس تتعرض لهجوم هو الأعنف في تاريخها، بينما تبقى العلاقات مع دول الخليج في إطار مستقر، وإن كان فاتراً. بل إن بعض النخب الإسرائيلية باتت ترى أن مناطق مثل الجنوب اللبناني أو غزة أصبحت أكثر أمنًا من نيويورك نفسها، على حد تعبير الجنرال المتقاعد يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو.
ثمن الحرب: شرخ في صورة إسرائيل الدولية
لكن هذا “النجاح الأمني” جاء بثمن باهظ على صعيد الصورة الدولية. فالحملة العسكرية الشرسة التي قادها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ردًا على هجوم حماس، الذي أودى بحياة 1200 إسرائيلي وأدى إلى أسر 250 آخرين، أسفرت عن اتهامات دولية بالقتل الجماعي وارتكاب جرائم حرب.
أصبحت إسرائيل أكثر عزلة من أي وقت مضى، بعدما تراجعت صورتها من دولة تسعى للدفاع عن نفسها إلى دولة تُتهم بارتكاب إبادة في غزة. وفي الوقت الذي يواجه فيه نتنياهو ضغوطًا دولية متصاعدة، بدأت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة وأوروبا تشير إلى تغيّر المزاج العام تجاه إسرائيل، وارتفاع النظرة السلبية لها بين الشعوب.
غزة تحت الأنقاض: دمار إنساني يعمق العزلة
الحرب على غزة خلّفت عشرات الآلاف من القتلى، وشرّدت أكثر من مليون شخص، وجعلت معظم أراضي القطاع أنقاضًا. يعاني السكان من الجوع والفقر واليأس، بينما لا يزال نحو 20 رهينة يُعتقد أنهم محتجزون لدى حماس في أنفاقها بعد مرور أكثر من 630 يومًا.
كذلك سقط مئات الجنود الإسرائيليين في المواجهات، ما يشير إلى أن الحرب كانت مكلفة أيضًا لإسرائيل على مستوى الأرواح والمعنويات، رغم تفوقها العسكري الكبير.
دعم واشنطن في مهبّ الريح: انقسام أمريكي غير مسبوق
من أبرز التحولات التي رصدتها نيويورك تايمز هو تراجع التأييد الأمريكي التقليدي لإسرائيل. فقد أصبحت الحرب في غزة موضوعًا خلافيًا داخل الكونغرس، وتسببت في احتجاجات جامعية واسعة، وأثارت موجة انتقادات من سياسيين أمريكيين كبار، بمن فيهم من داخل الحزب الديمقراطي الحاكم.
ترافق ذلك مع تصاعد حوادث معاداة السامية في الولايات المتحدة، وتحول دعم إسرائيل من قضية توافق وطني إلى ملف يثير الانقسام العميق.