التطبيع بين دمشق وتل أبيب .. لهذه الأسباب يبقي ملفا مؤجلا حتي إشعار أخر

كلمات الإطراء المتبادلة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره السوري أحمد الشرع ووصفه الأول للأخير بالرائع بعد قرار ساكن البيت الأبيض برفع العقوبات علي سوريا، لا تخفي أن هناك حزمة من المطالب الأمريكية الصعبة التي يجب اتخاذها من قبل صانع القرار في دمشق كثمن الخطوة التي اتخذتها واشنطن.
وتشمل هذه الحزمة بحسب مصادر ومسئولين مقربين من المفاوضات التي جرت في الرياض برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التطبيع مع الكيان الصهيوني ،والانضمام الي الاتفاقيات الإبراهيمية ،وقطع جميع الصلات مع إيران واذراعها في سوريا ،والتخلص من المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الثورة السورية ،وتطهير الأراضي السورية من الفصائل الفلسطينية المسلحة خصوصا من الجهاد الإسلامي المعروف بصلاته الوثيقة مع طهران.
وتشمل المطالب الأمريكية كذلك ضمان حقوق الأقليات ومنها الدروز والعلويين والسيطرة علي أماكن احتجاز مقاتلي داعش والتخلص من بقايا الدولة الإسلامية في الأراضي السورية وضمان مشاركة فاعلة لسوريا في الحرب علي الإرهاب كما يحلو لرموز إدارة ترامب تسميتها .

ورغم عدم ممانعة رموز النظام السوري للتطبيع مع الكيان الصهيوني وحديث الرئيس الشرع عن امكانية الانضمام للاتفاقات الإبراهيمية إلا أنه الرئيس الشرع اثار نوعا من الجدل هو ملف التطبيع ،عندما عقب علي دعوة ترامب بالقول : أنه لا يزال الكثير من العمل يجب القيام به قبل التجاوب التام مع الدعوي ،بشكل يشير إلي عقبات تحول دون تحويل التطبيع بين تل أبيب ودمشق إلي واقع قريبا .
ويجمع المراقبون علي ان العقبات التي تحول دون تحويل التطبيع بين الطرفين لواقع تبدو معقدة، وتتعلق بالطرفين دون طرف واحد، فالشرع البراجماتي يري أن تطبيع العلاقات حاليا مع تل ابيب في ظل هشاشة الوضع السوري وضعف الوضع العربي واستمرار الضربات الجوية الصهيونية علي أهداف سورية واستغلال ظروف الدولة السورية لن يخدم إلا مصالح تل أبيب ويفرض تطبيعا وفق الرغبات الصهيونية .
ومن العقبات كذلك أدراك الشرع أن وضع نظام حكمه لا يسمح له باتخاذ خطوات دراماتيكية فيما يتعلق بالتطبيع ستؤثر بالسلب علي شعبية النظام وصورته أمام قطاعات واسعة من السوريين وخلفية الشرع وانصاره من الإسلاميين والجهاديين بشكل يفرض التريث وعدم اتخاذ خطوات تطبيع متعجلة مع الكيان .
كما أن استمرار الكيان الصهيوني في اللعب بورقة الأقليات من الدروز والعلويين والأكراد، وتوظيفهم للإضرار باستقرار سوريا ووحدتها ،سيجعل الشرع الذي ربط بين التطبيع والحفاظ علي وحدة سوريا واستقرار يبحث عن تسوية ،وسط للأمر
هذه التسوية الوسط لا تزعج ساكن البيت الأبيض وتتمثل في إطلاق التصريحات عن ان سوريا لن تشكل أي متاعب أو تحديات لدول الجوار، وهي الرسالة التي اطلقها كثيرا وزير خارجيته أسعد الشيياني ووجدت تجاوبا في عواصم إقليمية وغربية.
كما أن الشرع يدرك الجانب البراجماتي في شخصية ترامب لذا حاول خطب وده عبر الحديث عن فرص ذهبية للشركات ورجال الأعمال الأمريكيين للعمل في قطاعي النفط والغاز السوريين ،بشكل قد يشكل قد يغري ترامب بتخفيف حديثه عن التطبيع ،كشرط للتقارب الأمريكي مع سوريا الجديد.
العقبات التي تقف عقبة أمام تحول التطبيع بين دمشق وتل أبيب لواقع لا تقف عند الجانب السوري بل تمتد للجانب الصهيوني ،فالرسائل القادمة من قبل نتنياهو وزير حربه يسرائيل كاتس ،تؤكد ان الدولة العبرية غير معنية حاليا بدفع ثمن باهظ لنظام سوري يرجح ان يكون معاديا لتل أبيب في المستقبل ، متي سنحت له الفرصة في ظل خلفيتها الجهادية .
فتل أبيب تري في هذا السياق أن التطبيع مع الشرق والانسحاب من الجولان والعودة لحدود الرابع من يونيه67سيكون مكلفا وعديم الجدوي للدولة العبرية وسيتطلب نوعا من التنازلات السياسية والترتيبات الأمنية التي لا تخدم مصالح تل ابيب التي تجد ان المفيد لها استغلال حالة الفوضي والهشاشة التي تعاني منها سوريا لإضعاف الدولة الجديدة ،أن لم يكن تقسيمها وتحويلها لكانتونات.
ورغم أن هناك جناحا أخري داخل حكومة نتنياهو، يري ضرورة استغلال الوضع الصعب الذي تعاني منه الدولة السورية والعمل علي انتزاع تنازلات من الشرع حاليا قد يصعب عليه تقديمه في المستقبل، إلا ان النواة الغليظة لحكومة نتنياهو تجمع علي ان الرهان علي الفوضي هو الخيار الافضل حاليا لإضعاف سوريا والعمل علي فرض ترتيب جديد للأوراق في المنطقة تكرس النفوذ الصهيوني .
لذا يجمع المراقبون أن كل المؤشرات القادمة من تل أبيب ودمشق تقودنا لأن يكون التطبيع بين الجانبين خيارا مؤجلا حاليا لاسيما ان استمرار العدوان علي قطاع غزة وتراجع ملف التطبيع في أجندة ترامب وحالة الجفوة التي تجمعه مع نتنياهو في وقت تمر علاقاته بدول الخليج المهمة بفترة ذهبية قد تجعله يخفف ضغوطه علي الشرع ويراهن علي ابرام صفقات اقتصادية وعقارية معه في مقدمتها “برج ترامب” بدمشق تكون عنوانا للعلاقات بين واشنطن ودمشق خلال السنوات الأربع القادمة