رغم الخطاب السياسي العربي المعلن الذي يدين سياسات إسرائيل، خاصة في ظل الحرب الجارية على غزة، إلا أن الواقع على الأرض يكشف عن استمرار مسارات تعاون فعلية بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
هذا التعاون يتخذ أشكالًا متعددة، من التطبيع الدبلوماسي العلني إلى الشراكات الاقتصادية والأمنية، وصولًا إلى الاتصالات غير الرسمية. ويرى مراقبون أن هذه الظاهرة تعبّر عن فجوة بين الموقف السياسي المعلن والمصالح الاستراتيجية الفعلية (الجزيرة نت).
في محور العلاقات الرسمية، وقّعت كل من الإمارات والبحرين والمغرب اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل عام 2020 ضمن ما يعرف بـ”اتفاقيات إبراهيم”، وشملت هذه الاتفاقيات فتح سفارات وتبادل السفراء،
بالإضافة إلى عقد صفقات اقتصادية وعسكرية وزيارات رسمية متبادلة. ويبرز مثال المغرب الذي تعاقد مع شركة إسرائيلية لتوريد أسلحة متطورة، وهو ما يعكس اتساع التعاون العسكري والأمني بين الطرفين (هيئة الإذاعة البريطانية – بي بي سي عربي).
أما على الصعيد الاقتصادي والاستراتيجي، فقد أبرمت مصر أكبر صفقة في تاريخها مع إسرائيل لتوريد الغاز الطبيعي، بقيمة 35 مليار دولار وتمتد حتى عام 2040.
في خطوة اعتبرتها الأوساط الاقتصادية رافدًا مهمًا لموارد الطاقة المصرية. كما أُطلق “الممر البري الإماراتي–الإسرائيلي” الذي يربط الخليج بالبحر المتوسط عبر السعودية والأردن ومصر، مما قلّص مدة الشحن من 14 يومًا عبر البحر إلى 4 أيام فقط.
وإلى جانب ذلك، وقّعت الإمارات وإسرائيل اتفاقيات شاملة للتعاون التجاري والأمني، شملت إنشاء مجلس أعمال مشترك وتنسيق أمني في البحر الأحمر (رويترز).
ويظهر التعاون كذلك في الأطر متعددة الأطراف، مثل مبادرة I2U2 التي تضم الولايات المتحدة والهند والإمارات وإسرائيل، وتركز على مجالات الغذاء والطاقة والبنية التحتية.
كما يشارك الجانبان في منتدى شرق المتوسط للغاز و”منتدى نيغف”، واللذين يجمعان دولًا عربية مثل مصر والأردن والمغرب والإمارات مع إسرائيل وشركاء غربيين في مشاريع اقتصادية وأمنية (وكالة الأنباء الفرنسية – أ ف ب).
وفيما يتعلق بالسعودية، فهي لم تطبع رسميًا بعد، لكنها قامت بخطوات تقارب عملية، مثل تعديل المناهج الدراسية لإزالة المحتوى المناهض لإسرائيل، والسماح بزيارات سياحية غير مباشرة لمواطنين إسرائيليين.
ومع ذلك، جمدت الاتصالات العلنية بعد اندلاع الحرب في غزة، واشترطت التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية قبل أي اتفاق تطبيع، مع استمرار قنوات الحوار غير الرسمية بين الجانبين (صحيفة وول ستريت جورنال – النسخة العربية).
أما الرأي العام العربي، فيظهر رفضًا واسعًا للتطبيع. فاستطلاعات “Arab Barometer” أوضحت أن تأييد التطبيع في المغرب تراجع من 31٪ إلى 13٪ بعد أكتوبر 2023،
وفي معظم الدول العربية لا يتجاوز الدعم 13٪. هذا التراجع يعكس فجوة واضحة بين توجهات الشعوب وخيارات الحكومات، إذ تحرص الأخيرة على إبقاء التعاون في إطار النخب السياسية والاقتصادية بعيدًا عن الانخراط الشعبي المباشر (العربي الجديد).
الخلاصة: رغم استمرار الخطاب المتضامن مع القضية الفلسطينية، فإن المصالح الاقتصادية والأمنية تدفع بعض الدول العربية إلى مواصلة التعاون مع إسرائيل، غالبًا بعيدًا عن أنظار الشارع العربي.
ومع استمرار الحرب في غزة، يبدو أن هذه العلاقات ستظل حبيسة الموازنة الدقيقة بين الحسابات الاستراتيجية وردود الفعل الشعبية (الجزيرة نت).
وفي أحدث التطورات اقتراح “إمارة الخليل” مثار جدل: في يوليو 2025، قدّم خمسة شيوخ من الخليل، بزعامة الشيخ وديع الجعبري، مبادرة لإنشاء “إمارة عشائرية” معترف بها
في الخليل، تعترف بإسرائيل كدولة قومية لليهود، وترد إسرائيل الاعتراف بالإمارة ممثلةً للعرب في المدينة، كمخرج بديل عن السلطة الفلسطينية ونموذج الدولة، وضمن إطار اتفاقيات إبراهيم. وقد
وُوجّهت رسالة بهذا المقترح لوزير الاقتصاد الإسرائيلي، ما أثار ردود فعل متوترة داخل الضفة الغربية (الجزيرة نت) .
السعودية: لا تطبيع بلا دولة فلسطينية: جددت المملكة، في يوليو 2025، تأكيدها على أن أي تطبيع مع إسرائيل مشروط بوجود دولة فلسطينية على حدود 1967، وفق مبادرة السلام العربية،
وهو موقف أكده خبراء في الشؤون الدولية (الشرق الآن) . كما أكّد مسؤولون سعوديون أن السلام الدائم لا يُبنى دون حل سياسي عادل يضمن إقامة الدولة الفلسطينية (العربي الجديد) .
مسار التطبيع السعودي لم يُقطع بالكامل: رغم توقف أي تقدم رسمي، يشير محللون إلى أن الباب لم يُغلق نهائيًا، وأن السعودية قد تعيد النظر عقب انتهاء الحرب، خاصة إذا تحققت مكاسب فلسطينية ملموسة (القدس العربي) .
الرأي العام العربي أكثر رفضًا من أي وقت مضى: تحليل نشرته مجلة “فورين أفيرز” عبر موقع Barometer العربي أشار إلى أن الشعب العربي صار يقف بقوة ضد التطبيع مع إسرائيل، وأن هذا الموقف الشعبي يُقيّد بحدة تحركات الحكومات نحو التطبيع (Arab Barometer) .
تركيز إسرائيلي على التوسع الاستراتيجي: تُشير تحليلات إلى أن إسرائيل، بدعم من شخصيات أمريكية، تسعى إلى توسيع نطاق “اتفاقيات إبراهيم” لتشمل دولًا إضافية، رغم العقبات السياسية الراهنة (الجزيرة نت) .
خطط عسكرية إسرائيلية جديدة في غزة: وصف رئيس الوزراء نتنياهو خطته بشأن السيطرة على كامل قطاع غزة بأنها “أفضل وسيلة لإنهاء الحرب”، مع تأكيده أن السيطرة ستكون مؤقتة وأن الحكم المدني سيسلم لاحقًا إلى جهة عربية موثوقة. رغم ذلك،
كتب تقرير في “هآرتس” أن هذا الموقف فيه تضليل، وأن السيادة الأمنية الإسرائيلية قد تستمر بشكل أوسع مما يُعلن رسميًا (الجزيرة نت) .
جنوب السودان ينفي الاتهامات بالتفاوض على توطين الفلسطينيين: نفت حكومة جنوب السودان بشدة ما تردد عن محادثات مع إسرائيل لإعادة توطين فلسطينيي غزة في أراضيها، واعتبرت هذه الشائعات “لا أساس لها من الصحة” (الجزيرة نت) .
في خضم الحرب المستمرة في غزة، تُظهر الخارطة الأخيرة للتطبيع حالة من الجمود والتراجع. يبدو أن السعودية تؤكد مرة أخرى على شرط الدولة الفلسطينية كمدخل أساسي لأي تطبيع، بينما تزيد مساحة التحفظ الشعبي في مواجهة هذا المسار.
إسرائيل من جهتها تسعى لتوسيع شبكة السلام وتحقيق مكاسب استراتيجية، حتى لو كان ذلك من خلال مشاريع مؤقتة أو عسكرية، ما يدق ناقوس الحذر بشأن مستقبل العلاقات في ظل معارضة عربية واضحة ومتزايدة.