تُعد المقارنة الاقتصادية بين ماليزيا وسنغافورة إحدى أبرز النماذج التي تعكس الفروق في نماذج التنمية بين بلدين جارين يشتركان في علاقات تجارية وثيقة، ويختلفان جذريًا في البنية الاقتصادية ومستوى المعيشة. بلغ الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة في عام 2023 نحو 501 مليار دولار، متفوقة على ماليزيا التي بلغ ناتجها المحلي نحو 400 مليار دولار.
رغم أن عدد سكان سنغافورة أقل بكثير. أما من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي، فتتقدم سنغافورة بشكل واضح، حيث بلغ حوالي 84.7 ألف دولار مقارنة بـ 11.4 ألف دولار في ماليزيا، ما يعكس الفجوة الكبيرة في مستوى المعيشة والدخل.
من ناحية النمو الاقتصادي، تفوقت ماليزيا بمعدل نمو بلغ 3.6% عام 2023 مقارنة بـ 1.1% لسنغافورة، مما يعكس الديناميكية النسبية في الاقتصاد الماليزي خاصة بعد جائحة كورونا.
ومع ذلك، فإن حجم الاقتصاد والاستقرار المؤسسي في سنغافورة يمنحها تفوقًا في جودة النمو والتنمية المستدامة. أما في ما يخص التضخم، فقد حافظت ماليزيا على معدل منخفض نسبياً عند 1.8% مقابل 2.4% في سنغافورة، في حين جاءت معدلات البطالة متقاربة نسبياً بين البلدين، عند حوالي 3.8% في ماليزيا و3.2% في سنغافورة.
على مستوى المعيشة، سنغافورة تتصدر في مؤشرات جودة الحياة، الرعاية الصحية، والأمن، بينما تُعد ماليزيا أقل تكلفة في المعيشة، حيث تمثل تكاليف المعيشة فيها حوالي 32% من مؤشر الأسعار الأمريكية مقارنة بـ 78% في سنغافورة.
في المقابل، متوسط دخل الفرد في سنغافورة أعلى بكثير ويصل إلى نحو 70 ألف دولار سنويًا، بينما لا يتجاوز في ماليزيا 11.7 ألف دولار، ما يبرز التفاوت الاقتصادي بين البلدين.
التجارة الثنائية بين ماليزيا وسنغافورة شهدت نموًا كبيرًا، حيث بلغ حجم التجارة بينهما في عام 2023 حوالي 123.6 مليار دولار سنغافوري، مع وجود أكثر من مليون شخص يعبرون الحدود يوميًا للعمل أو التجارة. سنغافورة هي أكبر مستثمر أجنبي في ماليزيا، خاصة في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية، فيما تعد ماليزيا أيضًا شريكًا رئيسيًا في واردات سنغافورة من السلع والخدمات.
شهد عام 2024 تطورًا مهمًا في العلاقة الاقتصادية بين البلدين بإطلاق المنطقة الاقتصادية المشتركة بين جوهور وسنغافورة (JS-SEZ)، والتي تهدف إلى جذب الاستثمارات الدولية، لا سيما في قطاع التكنولوجيا المتقدمة ومراكز البيانات.
وتشمل الحوافز تخفيضات ضريبية للمستثمرين تصل إلى 5% فقط على ضرائب الشركات، و15% على دخل الموظفين، وهي خطوة يُتوقع أن تجذب حوالي 26 مليار دولار من الاستثمارات وتوفر ما يقارب 20 ألف وظيفة جديدة بحلول عام 2030.
وفي الوقت الذي تخوض فيه سنغافورة تحديات تتعلق بموارد الأرض والمياه، تركز ماليزيا على التوسع في مجال مراكز البيانات، مستفيدة من انخفاض تكاليف التشغيل وتوفر الأراضي في جوهور، حيث بدأت شركات مثل مايكروسوفت وتيك توك في الاستثمار هناك. ومع ذلك، تثير هذه الخطوة تساؤلات بيئية واجتماعية، حيث قد تؤدي إلى استهلاك مفرط للموارد الطبيعية دون خلق فرص عمل كافية.
تسعى الحكومتان إلى تكامل أكبر في قطاعات الاقتصاد الأخضر والرقمي، وتُعد رئاسة ماليزيا المقبلة لرابطة آسيان في عام 2025 فرصة لتوسيع هذا التعاون الإقليمي. كما أن التقارب الاقتصادي يعزز من قدرة البلدين على مواجهة التحديات العالمية، مثل تقلبات السوق والطموحات الجيوسياسية الكبرى في جنوب شرق آسيا.
في المجمل، تظل سنغافورة متفوقة من حيث البنية المؤسسية، الابتكار، ومستوى الدخل، بينما تُظهر ماليزيا إمكانات نمو أعلى وتكلفة معيشة منخفضة. وتبقى العلاقة الاقتصادية بينهما نموذجًا للتكامل والتنافس البنّاء، مع آفاق واعدة إذا ما تم استثمارها بشكل استراتيجي ومدروس.