في قلب آسيا، تخوض كل من سنغافورة واليابان منافسة استراتيجية في مجالات متعددة، تتنوع بين التكنولوجيا، التعليم، الاقتصاد الأخضر، والاستثمار الدولي. ورغم الفوارق في الحجم الجغرافي وعدد السكان.
فإن كلا الدولتين تسعيان إلى لعب دور محوري في إعادة تشكيل مشهد الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل التحولات التكنولوجية والبيئية المتسارعة.
التكنولوجيا والابتكار: الرهان على المستقبل
أحد أبرز مجالات التنافس هو التكنولوجيا والابتكار. تشتهر اليابان بريادتها في الصناعات التقنية، خاصة في مجالات الإلكترونيات، الروبوتات، والذكاء الاصطناعي،
وتحتل مراكز متقدمة في مؤشرات الابتكار العالمية، مثل مؤشر بلومبيرغ للابتكار لعام 2024 .
في المقابل، تبنت سنغافورة رؤية مستقبلية عبر مبادرة “Smart Nation” التي أُطلقت عام 2014، وتهدف إلى دمج التكنولوجيا في كل تفاصيل الحياة، من النقل والرعاية الصحية إلى التعليم والخدمات الحكومية (Smart Nation, gov.sg, 2023).
وقد جذبت سنغافورة شركات عالمية مثل غوغل وفيسبوك لتأسيس مراكز أبحاث وبيانات إقليمية فيها، بفضل بنيتها التحتية الرقمية المتقدمة وسياساتها المرنة في دعم الابتكار.
الاقتصاد والاستثمار: تنافس على جذب رؤوس الأموال
تحتدم المنافسة كذلك في مجال الاستثمار الدولي والتمويل. سنغافورة تُعد أحد أكبر المراكز المالية في العالم، وتحتل مرتبة متقدمة في سهولة ممارسة الأعمال حسب تقرير البنك الدولي، كما أنها تجذب الاستثمارات بفضل استقرارها السياسي وموقعها الجغرافي الاستراتيجي.
أما اليابان، فتسعى إلى الحفاظ على قوتها كقوة صناعية واقتصادية من خلال تحديث سياساتها الاستثمارية وتعزيز جاذبيتها للشركات الأجنبية. وقد أعلنت الحكومة اليابانية عام 2023 عن إجراءات لتسهيل تأسيس الشركات الناشئة وتشجيع رأس المال المغامر، خاصة في قطاعات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة (Japan Times, 2023).
التعليم والموارد البشرية: بناء العقول قبل البنى
في مجال التعليم وتطوير رأس المال البشري، يظهر التنافس جليًا في حجم الاستثمارات الحكومية في البحث والتطوير. اليابان تمتلك نظامًا تعليميا عريقًا وتركز على التخصصات العلمية والهندسية، بينما تركز سنغافورة على التعليم المتعدد التخصصات وربط الجامعات بسوق العمل والتكنولوجيا.
وقد احتلت جامعة طوكيو والجامعة الوطنية في سنغافورة (NUS) مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية، مما يعكس حرص الدولتين على تطوير المواهب المحلية واستقطاب الباحثين الدوليين.
الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة
مع تزايد الضغوط البيئية، تتسابق الدولتان في التحول نحو الاقتصاد الأخضر. اليابان تركز على تطوير تقنيات الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، في حين أعلنت سنغافورة التزامها بتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، مع مبادرات في إعادة التدوير وتحلية المياه والطاقة الشمسية (National Climate Change Secretariat, Singapore, 2024).
تنافس تكاملي لا تصادمي
ورغم ما يبدو من تنافس حاد، إلا أن العلاقة بين سنغافورة واليابان ليست تصادمية بقدر ما هي تكاملية في كثير من الأحيان، حيث يتبادلان الاستثمارات ويتعاونان في مشاريع إقليمية كبرى في جنوب شرق آسيا. ويُنظر إلى هذا التنافس على أنه محفز للتقدم والابتكار، وليس كصراع جيوسياسي.
آراء اقتصادية: تنافس محفز لا مُهدِّد
يرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن التنافس بين اليابان وسنغافورة لا يُعتبر تهديدًا مباشرًا لأحد الطرفين، بل يُشكّل عاملًا إيجابيًا يُحفّز الابتكار والتنمية في المنطقة.
يقول البروفيسور فوميكي شيميزو، الباحث في الاقتصاد الآسيوي بجامعة “واسيدا” بطوكيو، إن اليابان تمتلك بنية تحتية صناعية عميقة وقدرة على التطوير التكنولوجي طويل المدى، لكنها تواجه تحديات ديموغرافية قد تعيق مرونتها الاقتصادية، مما يجعلها تنظر بعين الاهتمام إلى النماذج المرنة مثل سنغافورة.
أما الخبير الاقتصادي السنغافوري تانغ وي لي، فيرى أن نجاح سنغافورة في استقطاب الاستثمارات التكنولوجية الكبرى لا يعني أنها ستحل محل اليابان، بل يعكس قدرتها على تقديم نموذج اقتصادي مكمّل يعتمد على الديناميكية والانفتاح، خاصة في بيئات الأعمال والحوكمة الرقمية.
ويُشير تقرير صادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية إلى أن هذا التنافس ينعكس إيجابًا على بقية اقتصادات شرق آسيا.
حيث تحفز المبادرات التكنولوجية في طوكيو وسنغافورة دولًا مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وتايوان على تبنّي سياسات ابتكار مشابهة، مما يخلق بيئة تنافسية تُعزز الإنتاجية الإقليمية بحسب .صحيفة “نيبون بالعربية.