في وقت يُدين فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علناً السياسات الإسرائيلية في قطاع غزة وفي تناقض صارخ بين الخطاب السياسي والممارسات على الأرض، كشفت تحقيقات استقصائية حديثة عن تورط فرنسا في دعم عسكري لإسرائيل.
تورط فرنسا في دعم عسكري لإسرائيل.
رغم المواقف الرسمية التي تدعو إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة. هذا التناقض بين ما يُعلن وما يُمارس يكشف عن ازدواجية في السياسة الفرنسية تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ما يطرح تساؤلات حول مدى التزام باريس بالمبادئ الإنسانية التي تدّعي الدفاع عنها.
التحقيقات الاستقصائية: دعم عسكري فرنسي لإسرائيل تحت الطاولة
استند موقع «عربي بوست» في تقريره إلى تحقيق مشترك بين منصتي «Disclose» الفرنسية و«The Ditch» الأيرلندية، أظهر أن فرنسا قامت بإرسال شحنات أسلحة سرية إلى إسرائيل، رغم الخطاب الرسمي الذي يدين استهداف المدنيين في غزة.
وفقًا للتحقيق، غادرت سفينة شحن إسرائيلية تُدعى «كونتشيب إيرا» ميناء «فوس-سور-مير» قرب مرسيليا في 5 يونيو 2025، محملة بـ 14 طنًا من مكونات رشاشات قتالية خفيفة من إنتاج شركة فرنسية تدعى «يورولينكس».
وعلى الرغم من أن الوجهة المعلنة كانت ميناء حيفا، تكشف الوثائق أن هذه المكونات مخصصة لشركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية «IMI»، التي تُنتج سلاح «نيغيف 5».
استخدام هذه الأسلحة في مجازر مدنية
ما يزيد من خطورة القضية هو توثيق استخدام رشاش «نيغيف 5» في مجزرة «الطحين» في غزة، والتي وقعت في 29 فبراير 2025، وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 مدني كانوا ينتظرون مساعدات غذائية. إذ تشير الأدلة إلى أن هذه الأسلحة التي زودتها فرنسا عبر هذه الشحنة، لعبت دورًا مباشرًا في هذه الجريمة التي استهدفت مدنيين أبرياء.
صمت حكومي وتواطؤ رسمي
هذه الشحنة التي مرت بهدوء وتحت العلم الرسمي الفرنسي، بلا ضجة إعلامية أو مساءلة سياسية واضحة، تعكس حجم التواطؤ بين الخطاب الأخلاقي الرسمي، الذي يدعو إلى حماية المدنيين ووقف إطلاق النار، والدعم العسكري الفعلي الذي يقدّم لإسرائيل.
هذا التناقض لا يقتصر على تصدير الأسلحة فقط، بل يمتد إلى سلوكيات دبلوماسية وسياسية تعزز هذا الدعم وتخفيه عن الرأي العام.
رفض داخلي وحراك نقابي
رغم الصمت الرسمي، لم تكن كل الأصوات في فرنسا متساوقة مع هذه السياسة. فقد أبدت إحدى النقابات العمالية في ميناء «فوس-سور-مير» رفضها الواضح لتوريد الأسلحة التي قد تُستخدم في ارتكاب جرائم ضد المدنيين، وطالبت بإيقاف هذه الصادرات فورًا.
هذا الرفض النقابي يدل على وجود وعي وتحفظ داخلي حقيقي تجاه استخدام المعدات العسكرية الفرنسية في النزاعات التي تنتهك حقوق الإنسان، ما يشير إلى تباين واضح بين مواقف النخب السياسية وأصوات المجتمع المدني والعمال.
انعكاسات التناقض على السياسة الفرنسية
تعكس هذه القضية الأبعاد العميقة للسياسة الفرنسية في المنطقة، والتي تبدو وكأنها توازن بين مصالحها العسكرية والاقتصادية ودعم حليفها الإسرائيلي من جهة، وبين المواقف الإنسانية والإعلامية التي تبرز في مناسبات مختلفة.
في الوقت الذي يدعو فيه الرئيس إيمانويل ماكرون إلى هدنة إنسانية دائمة في غزة ويعرب عن استنكاره لاستهداف المدنيين، تقف مصالح الشركات العسكرية الفرنسية ومصالح السياسة الخارجية خلف ممارسات مغايرة تمامًا.
تجهيز طائرات مسيّرة إسرائيلية
كذلك كشف موقع “ديسكلوز” الاستقصائي، استناداً إلى وثائق تجارية، أن شركة “تالس” الفرنسية باعت، بين عامي 2018 و2023، مكونات إلكترونية وأنظمة اتصالات بقيمة لا تقل عن مليوني يورو لمصلحة تجهيز طائرات مسيّرة إسرائيلية، يُحتمل استخدامها في قصف المدنيين الفلسطينيين.
وعلى رغم توقيع “تالس” على الميثاق العالمي للأمم المتحدة، الذي يُلزم الشركات عدم التواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان، فإن التحقيق يُظهر أن الشركة خرقت هذه المبادئ. فقد استند التحقيق إلى 12 فاتورة موجهة إلى شركتي “الصناعات الجوية الإسرائيلية” و”إلبت سيستمز”،
وكلتاهما من أكبر مزودي الجيش الإسرائيلي بالطائرات من دون طيار، من طرازات مثل “هيرون تي بي” و”هيرميس”، المتهمتين باستخدامهما في هجمات أودت بحياة مدنيين على مدى نحو 15 عاماً.، بحسب الإندبندنت.