في ظل تصاعد التوترات الإقليمية واستمرار التهديدات الإسرائيلية التي طالت دولًا مثل اليمن وقطر، أجرىا حوارًا مع الدكتور عصام عبد الشافي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، لمناقشة الأهداف الإسرائيلية المحتملة وإمكانية استهداف أنقرة والقاهرة. تناول الحوار دوافع إسرائيل الاستراتيجية، قدراتها العسكرية والاستخباراتية بدعم غربي، ومدى استعداد تركيا ومصر لمواجهة هذه التهديدات، مع التركيز على إمكانية اتخاذ خطوات استباقية من تركيا وضعف الرد المصري المحتمل بسبب اختراق أمنه القومي.
س: لا يبدو أن هذا الكيان سيتوقف عند الدوحة، اليوم قصف اليمن وهناك تهديدات بقصف تركيا والقاهرة. ما الهدف الأقرب لإسرائيل الآن، تركيا أم مصر؟
ج: الهدف الأقرب لإسرائيل مرتبط بطبيعة النظام السياسي في كل دولة من الدولتين والى أي مدى يشكل هذا النظام تهديدًا استراتيجيًا لأمن الكيان ووجوده. بملاحظة حجم التصريحات والتهديدات والإدانات المتبادلة والرسائل والمضامين منذ طوفان الأقصى وحتى الآن، يمكن رصد أن الهدف الأول قد يكون تركيا قبل مصر. لأن في مصر نظام سياسي متواطئ مع الكيان، حليف استراتيجي، جاء بتخطيط وتوجيه وتنفيذ ومشاركة من هذا الكيان منذ انقلاب 2013 وحتى الآن. لذلك يمكن أن تكون تركيا هي الهدف القادم بشكل واضح وصريح. هناك مجموعة من المؤشرات على الأرض: الموقف التركي الرافض والمندد، تقليل حجم العلاقات التجارية، العمليات العسكرية ضد المصالح التركية في سوريا، دعم الكيان لفصيل كردي ضد النظام التركي، شبكات تجسس الموساد في تركيا، ودور الكيان في محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016. كل هذه المؤشرات تشير إلى حالة صراع عميق ومتجذر بين النظام التركي منذ 2002 والكيان، قد ينفجر في أي لحظة بعمليات عسكرية مباشرة ضد تركيا.
س: يحيى إي لايتر، السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، قال بالأمس عندما سُئل عن فشل العملية في الدوحة: “سنستهدفهم مرة أخرى أينما كانوا”. تركيا تستضيف قيادات من حماس، هل الأمر بهذا القدر من السهولة أن يطير طيران إسرائيلي حربي ويدخل الأجواء التركية ويستهدف مبنى سكني يؤوي قيادات من حماس ثم يعود أدراجه؟
ج: في التحليل السياسي، كل السيناريوهات مفتوحة، وفي تحليل القدرات أيضًا، للأسف، كل الاحتمالات واردة. إسرائيل لا تحارب بمفردها منذ 2017، فهي تتمتع بدعم استخباراتي كامل من الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وغيرها. هذه الدول ترتبط بعلاقات صراعية مع تركيا، مثل فرنسا التي تصاعدت توتراتها مع تركيا في الملف الليبي، وألمانيا التي تلعب دورًا خطيرًا في الملف الكردي. هذا الدعم الاستخباراتي يجعل من السهل على الكيان تنفيذ عمليات اختراق ضد أي دولة. لكن، لا أعتقد أن القدرات الاستخباراتية التركية يمكن مقارنتها بالإيرانية التي شهدت هشاشة كبيرة، حيث كانت الساحة الإيرانية مفتوحة للكيان ليعبث بها كما يشاء، كما حدث في اغتيال إسماعيل هنية وفي العملية القطرية التي أعتقد أن بريطانيا والولايات المتحدة شريكتان فيها بامتياز.
س: هذا الكم من المخاطر الإسرائيلية التي تهدد الأمن القومي التركي، هل يفترض على النظام التركي أن يقف موقف المتفرج حتى تأتي الضربة الإسرائيلية ثم يبدأ في إصدار البيانات أو التفكير في رد عسكري مضاد؟
ج: مع كامل التقدير لبعض وجهات النظر، انتظار عدوك حتى يستهدفك ثم الرد حتى لا تُتهم بأنك البادئ بالعدوان هو نوع من الغباء الاستراتيجي. الولايات المتحدة لم تنتظر أحدًا في عملياتها العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية، بل كانت تبادر لتكون المتقدمة بخطوات. إسرائيل تقوم بخطوات استباقية في كل الاتجاهات، وهي البادئة بالعدوان في لبنان، غزة، سوريا، العراق، واليمن، وتنتهك القانون الدولي يوميًا. انتظار تركيا لضربة إسرائيلية هو غباء استراتيجي. تقرير استخباراتي تركي عن حرب الـ12 يومًا بين إيران وإسرائيل يوصي بخطوات استباقية لردع الكيان عن مجرد التفكير في استهداف الأراضي أو المصالح التركية.
س: بالأمس، نُشرت تقارير أن مصر حذرت إسرائيل من المساس بقيادات فلسطينية تقيم في القاهرة بعد انسحاب قطر من الوساطة. هل تتوقع ضربة إسرائيلية لقادة حماس أو فصائل فلسطينية داخل مصر؟
ج: مع وجود نتنياهو على رأس الحكم في إسرائيل وترامب في الولايات المتحدة، لا نستبعد أي سيناريو بالمطلق. استهداف قادة حماس في القاهرة أو تركيا أو أي دولة أخرى وارد، خاصة بعد استهداف قطر رغم دورها كوسيط. قطر كانت حريصة على الوساطة بطلب أمريكي، ومع ذلك استُهدفت. إسرائيل وترامب يبرران استهداف قادة حماس في أي مكان كـ”هدف مشروع”. لن يكون هناك رد فعل مصري بسبب اختراق الأمن القومي المصري، حيث سيناء ساحة مستباحة لإسرائيل منذ 2013، وتم تغيير العقيدة القتالية للجيش المصري.
س: ألا يعتبر استهداف القاهرة خطًا أحمر للنظام المصري الذي بنى سردية الأمن والاستقرار منذ 2013؟
ج: هذه السردية موجهة لمن يؤمنون بها، ويروج لها مرتزقة لا يهمهم الأمن القومي المصري. النظام المصري مخترق أمنيًا، وسيناء مستباحة لإسرائيل منذ 2013 بعشرات العمليات العسكرية. رأس النظام قد يهرب كما فعل حكام عرب آخرون إذا تعرضت مصر لضربة، لأن الأمن القومي ليس أولويتهم.
س: من يستطيع ردع إسرائيل في العالم العربي والإسلامي؟
ج: لن يردع إسرائيل إلا الشرفاء والمقاومون، وهم قلة، بالسلاح والقوة المسلحة الباطشة. الولايات المتحدة وإسرائيل لا يردعهما إلا القوة. الولايات المتحدة حاربت 20 عامًا في فيتنام (1955-1975) وأفغانستان (2001-2021) وخرجت بفضيحة رغم قوتها. الشعوب التي تمتلك إرادتها وكرامتها قادرة على ردع أي عدو. لكن تهميش الشعوب العربية وتفكيكها منهجيًا أوصلنا إلى هذا الوضع.
أُجري هذا الحوار الإعلامي أسامة جاويش على قناة مكملين.