مع سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية دقيقة تطغى عليها توترات طائفية، خاصة بين الطائفة الدرزية والمكونات الأخرى، بالتوازي مع استعدادات لإجراء أول انتخابات برلمانية في مرحلة ما بعد الأسد. يستعرض هذا التقرير خلفيات التوتر الطائفي، أبرز التحديات التي تواجه الأقليات، وتفاصيل العملية الانتخابية المرتقبة، في ظل توازنات سياسية واجتماعية حساسة.
في ظل حكم حزب البعث، اعتمد النظام على الطائفية كوسيلة للسيطرة، مستندًا إلى دعم الأقليات، وخاصة العلويين، مما عمّق الانقسامات وأجج النزاعات خلال الحرب الأهلية (2011–2024). عقب انهيار النظام، برزت مخاوف لدى الأقليات من الانتقام أو الإقصاء، خصوصًا بين الدروز والعلويين والمسيحيين، وسط تقارير عن حوادث عنف وتهجير في مناطق ذات غالبية علوية.
في أواخر 2024، أثارت تسجيلات مفبركة منسوبة للشيخ مروان كيوان موجة من العنف الطائفي، أسفرت عن عشرات القتلى في مناطق مثل جرمانا والسويداء. كيوان نفى علاقته بالتسجيل، واصفًا الأمر بمحاولة مدروسة لإثارة الفتنة. يشعر الدروز بالقلق من الإقصاء الثقافي والديني في ظل حكومة انتقالية يهيمن عليها أحمد الشرع (الجولاني) وهيئة تحرير الشام ذات التوجه الإسلامي السني. كما تعزز المواقف الإسرائيلية الرافضة لوجود قوات سورية في الجنوب شعور العزلة لديهم.
كشفت تقارير دولية، بينها من “بي بي سي”، عن حملات تضليل طائفية تقودها شبكات في دول كتركيا، الإمارات، السعودية، إيران، ومصر، تستهدف تأجيج الصراعات عبر منصات التواصل، لا سيما “إكس”.
العلويون يواجهون خطر الانتقام بعد سقوط النظام، وظهرت مؤشرات على هجرات من حمص إلى مناطق الساحل. المسيحيون انخفض عددهم من 2.2 مليون إلى 1.2 مليون، وسط مخاوف من تكرار سيناريو العراق. الأكراد يسعون لتعزيز الإدارة الذاتية، لكن توترهم مع العشائر العربية في دير الزور يهدد الاستقرار.
في مارس 2025، أعلنت الحكومة الانتقالية بقيادة محمد البشير وأحمد الشرع عن تشكيل هيئة عليا للانتخابات بموجب المرسوم 66/2025، تمهيدًا لأول انتخابات تشريعية منذ 2011. البرلمان سيتكون من 150 عضوًا، 100 بالانتخاب و50 بالتعيين الرئاسي. مدة البرلمان الانتقالي: 30 شهرًا. صدر إعلان دستوري في 13 مارس 2025، اعتبر الفقه الإسلامي مصدرًا رئيسيًا للتشريع، ما أثار مخاوف الأقليات من تهميشها تحت غطاء الأغلبية.
أبرز التحديات تشمل الفراغ التشريعي بعد حل مجلس الشعب، ومخاوف من هيمنة هيئة تحرير الشام على البرلمان، إلى جانب التدخلات الخارجية، وصعوبات إشراك النازحين بسبب البنية التحتية المتضررة. كما أثار تعيين 50 عضوًا في البرلمان من قبل الرئيس جدلًا حول استقلالية المجلس، وشكك مراقبون في شفافية الهيئة العليا للانتخابات نظرًا لسيطرة الفصائل المسلحة.
إقليميًا، عززت تركيا نفوذها عبر دعم فصائل المعارضة، بينما كثفت إسرائيل غاراتها لمنع التمدد الإيراني. أما الاتحاد الأوروبي فأبدى استعداده لدعم إعادة الإعمار وحماية الأقليات. إيران وروسيا تعرضتا لانتكاسة استراتيجية بفقدان الأسد.
التوصيات تشمل ضمان تمثيل متوازن للأقليات في البرلمان، مكافحة حملات التحريض الطائفي، توفير ظروف آمنة لعودة اللاجئين، صياغة دستور يعكس التعددية السورية، وإشراف أممي على الانتخابات لضمان الشفافية.
تدخل سوريا مرحلة مفصلية تتطلب قيادة حكيمة قادرة على تجاوز الانقسامات الطائفية، وإعادة بناء الدولة على أسس عادلة تشمل جميع مكوناتها. نجاح العملية الانتقالية مرهون بضمان تمثيل الأقليات، كبح التدخلات الخارجية، ووضع دستور جامع يعيد الثقة بين مكونات الشعب السوري.
