في ظل التصعيد المتسارع بين إيران وإسرائيل، تشهد المنطقة واحدة من أخطر اللحظات منذ عقود، حيث يتصاعد القلق من انزلاق الوضع إلى مواجهة شاملة، قد لا تبقى محصورة بين الطرفين
بل تمتد لتشمل الإقليم بأسره وربما تتجاوز ذلك إلى صراع دولي أوسع. الهجمات المتبادلة التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، سواء عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة أو العمليات السيبرانية، تدل على أن قواعد الاشتباك التقليدية باتت تتآكل.
وأن كل طرف يدفع باتجاه كسر ميزان الردع لصالحه، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات غير مسبوقة في الحدة والخطورة. بحسب تقرير لوكالة رويترز،
يشير محللون غربيون إلى أن إسرائيل، التي تواجه تحديات داخلية كبيرة على المستويين السياسي والأمني، قد تجد في التصعيد مع إيران فرصة لإعادة توحيد الجبهة الداخلية وتوجيه الأنظار إلى التهديد الخارجي.
ومع تزايد الضغوط على حكومة نتنياهو داخليًا وخارجيًا، لا تستبعد مراكز أبحاث أمنية أن تلجأ إسرائيل إلى توسيع نطاق الهجمات لتشمل المنشآت النووية الإيرانية الحساسة،
وهو ما قد يدفع إيران إلى الرد بشكل غير مسبوق، بما في ذلك استهداف مباشر للمدن الإسرائيلية، أو حتى قواعد عسكرية أميركية في المنطقة، ما سيغير طبيعة المواجهة بشكل جذري. بحسب مجلة فورين أفيرز الأمريكية.
وفي طهران، يبدو أن القيادة الإيرانية تنظر إلى التصعيد الجاري كجزء من استراتيجية أوسع لفرض توازن ردع جديد، خاصة في ظل التطورات الإقليمية والدولية التي تشير إلى تراجع الهيمنة الأميركية في بعض مناطق الشرق الأوسط. القيادة الإيرانية
تعتبر أن استمرار الضغط الإسرائيلي، بدعم غربي، يستهدف ليس فقط برنامجها النووي، بل وجودها ونفوذها في المنطقة، وهو ما يفسر اللهجة الحادة في التصريحات الرسمية الأخيرة، والجاهزية الواضحة في تحريك الحلفاء من اليمن إلى لبنان. وفقا لوكالة تسنيم الإيرانية،
ويؤكد تقرير لمؤسسة راند الأميركية أن إيران أصبحت أكثر ميلاً لتوسيع نطاق المواجهة لتشمل الساحة البحرية والفضاء السيبراني، وهو ما ظهر في سلسلة الهجمات على السفن في البحر الأحمر والخليج العربي،
وكذلك محاولات الاختراق الإلكتروني للبنى التحتية الحيوية في إسرائيل.بحسب مؤسسة راند الأميركية، تقرير خاص.
الدور الأميركي يبدو حتى الآن متردداً بين احتواء التصعيد ودعم الحليف الإسرائيلي، فواشنطن تدرك أن الدخول في حرب شاملة جديدة في الشرق الأوسط لن يكون في مصلحتها، خصوصًا في ظل انشغالها بالمواجهة مع الصين والتحديات الأمنية في أوروبا الشرقية.
ومع ذلك، فإن التزاماتها تجاه أمن إسرائيل قد تدفعها، في حال اتسعت رقعة المواجهة، إلى التدخل المباشر أو على الأقل تأمين غطاء عسكري ولوجستي واسع للعمليات الإسرائيلية. وفق صحيفة نيويورك تايمز.
السيناريو الأسوأ يبقى قائمًا، وهو اندلاع حرب شاملة متعددة الجبهات، تبدأ بمواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب، وتتحول بسرعة إلى صراع إقليمي واسع، يشمل حزب الله في لبنان، والميليشيات في العراق، والحوثيين في اليمن، وربما حتى حركات في غزة، مما يجعل من السيطرة على مسار المواجهة أمرًا شبه مستحيل.
(بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – واشنطن، تحليل صادر في 2025/6/9)
المحصلة أن العالم يقف اليوم أمام لحظة دقيقة، حيث تتقاطع الحسابات المحلية والإقليمية والدولية في ساحة واحدة مشتعلة، وحيث الخطأ في التقدير أو الاستفزاز غير المحسوب قد يكون كافيًا لإشعال حرب لا أحد يمكنه السيطرة على نهاياتها. (بحسب صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، 2025/6/13)
في مقابلة مع الجزيرة، أشار الأكاديمي مهند مصطفى إلى أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين الحالية تشكل “ورقة ضغط” للتحفيز على اتفاق نووي، وأن إسرائيل تستعد لهجوم واسع على إيران بدعم صريح من واشنطن، خاصة مع دعم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لهذا الخيار .
خبراء استخبارات في الجزيرة رأوا أن إعلان طهران عن امتلاكها وثائق سرية حول البرنامج النووي الإسرائيلي يمثل تحوّلًا نوعيًّا في المواجهة الاستخباراتية، وهو مؤشر على سعي إيران لإظهار أوراق ردع غير تقليدية، خاصة في الحرب السيبرانية .
كما أوضح محللون أن رد فعل إيران المنضبط حاليًا بعد الهجوم الجوي الإسرائيلي الأخير يعكس حرصًا إيرانيًا على التريّث، لكنهم يحذرون من أن استمرار الضغوط قد يدفع طهران لاحقًا إلى تصعيد استراتيجي ملحوظ، سواء عبر حلفائها الإقليميين أو عبر تسريع برنامجها النووي .
وفي شأن التوازن الإقليمي، يرى محللون أن إيران لا تسعى لحرب شاملة، بل ستكون ردودها محسوبة ومدروسة، ضمن ما وصفوه بـ”التدخل المضبوط” لتفادي الانزلاق الكامل إلى مواجهة مفتوحة.